للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأنك تعلم أن هذا الضرب من المعاني كالجواهر في الصدف، ولا يبرز لك إلا بعد أن تشقه عنه، وكالعزيز المحتجب، لا يريك وجهه حتى تستأذن عليه، ثم ما كل فكر يهتدي إلى وجه الكشف عما اشتمل عليه، ولا كل خاطر يؤذن له في الوصول إليه، فما أحد يفلح في شق الصدفة، ويكون في ذلك من أهل المعرفة (١).

وأما التعقيد المذموم، فهو الذي ينشأ من عدم ترتيب اللفظ ترتيباً بمثله تحصل الدلالة على الغرض، حتى إذا احتاج السامع أن يطلب المعنى بالحيلة ويسعى إليه من غير الطريق.

كما في قول الشاعر:

وكذا اسم أغطية العيون جفونها ... من أنها عمل السيوف عوامل

وقوله:

ثانيه في كبد السماء ولم يكن ... كاثنين فإن إذ هما في الغار

وقوله:

يدي لمن شاء رهن من يذق جرعاً من راحتيك دري: ما الصأب والعمل وإنما ذم هذا الجنس: لأنه أحوجك إلى فكر زائد على المقدار الذي يجب في مثله، وكدك بسوء الدلالة، وأودع المعنى لك في قالب غير مستو ولا مملس، بل خشن مضرس، حتى إذا رمت إخراجه منك عسر عليك وإذا خرج خرج مشوه الصورة ناقص الحس.

على أن المعنى الذي تحصل عليه من أعمال الفكر والروية إنما يزيدك فرحاً وأنشأ وسروراً، إذا كان لذلك أهلاً، فأما إذا كنت معه كالفائدة


(١) أسرار البلاغة صـ ١١١.