للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في البحر، يحتمل المشقة العظيمة، ويخاطر بالروح، ثم يخرج الخرز، فالأمر بالصند مما بدأت به.

ولذلك كان أحق أصناف لتعقيد بالذم، ما يتعبك، ثم لا يجدي عليك، ويورقك ثم لا يروق لك، وما سبيله إلا سبيل البخيل الذي يدعوه لوم في نفسه، وفساد في حسه إلى أن لا يرضي بضعته في بخله وحرمان فضله حتى بأبي التواضع ولين القول، فيأتيه ويشمخ بأنفسه، ويسوم المتعرض له باباً ثانياً كمن الاحتمال تناهياً في سخفه.

أو كالذي لا يؤيك من خبره في أول الأمر فتستريح إلى الياس ولكنه يطمعك ويحسب على المواعيد الكاذبة حتى إذا طال العناء وكثر الجهد، تكشف عن غير طائل وحصلت منه على ندم لتعبك في غير حاصل، وذلك مثل ما تجده لأبي تمام من تعسفه في اللفظ وذهبه به في نحو من التركيب لا يهتدي النحو إلى إصلاحه، وأغراب في الترتيب يعمي الإعراب في طريقه ويضل في تعريفه.

والأبيات السالفة هي التي عناها عبد القاهر، والتي سبق أن أشرنا إلى أن القاضي الجرجاني قد أوردها في كتاب الوساطة ونبه إلى أنها لم ترتب ترتيباً سليماً يراعي فيه قانون النحو، وأن القاضي الجرجاني من خلال نقيده لمثل هذه الأبيات قد كشف عن وجه النظم، فبينه عبد القاهر في دلائل الإعجاز.

ولعلك تلاحظ معي أن عبد القاهر هنا - وأن ذكر أن أبا تمام قد تعسف في لفظه وترتيب لكماته، الذي ضل معه النحو وعمى الإعراب لم يهتد إلى عبارة "توخي معاني النحو فيما بين الكلم" كما اهتدى