للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا كان عبد القاهر الجرجاني قد فسر "النظم" بأنه "توخي معاني النحو فيما بين الكلم "فإن القاضي الجرجاني قد كشف عن هذا المعنى، حيث أنه جعل فساد النظم نتيجة لعدم الجري على قوانين النحو، وإذا كان فساد النظم والإخلال به نتيجة لعدم العمل بقوانين النحو، فإن حسن النظم وسلامته، إنما هو في العمل بقوانين النحو، فقد قال: في بيت أبي الطيب:

كالريح أشجاه طاسمة بأن تسعدا والد مع أشفاه ساجمه

"و" من يرى هذه الألفاظ الهائلة، والتعقيد المفرط، فيشك أن وراءها كنزاً من الحكمة، وأن في طيها الغنيمة الباردة حتى إذا فتشها وكشف عنها سترها، وسهر ليالي متوالية فيها حصل على أن "وفاء كما يا عاذلي بأن تسعداني إذا درس شجاي، وكلما ازداد تدارساً ازددت له شجوا، كما أن الربع شأشجاه دارسه "فما هذا من المعاني التي يضيع لها حلاوة اللفظ وبهاء الطبع، ورونق الاستهلال، حتى يهلهل لأجلها النسج ويفسد النظم، ويفصل بين الباء ومتعلقها بخبر الابتداء قبل تمامه ويقدم ويؤخر، ويعمى ويعوص، ولو احتمل الوزن ترتيب الكلام على صحته فقيل: "وفاؤكما بأن تسعدا أشجاه طاسمة كالربع" أو" وفاكما بأن تسعدا كالربع أشجاه طاسمة" لظهر هذا المعنى الضنون به، المتنافس فيه، فأما قوله "والد مع أشفاه ساجمه "فخطاب مستأنف، وفصل منقطع عن الأول، وكأنه قال "وفاوكما والربع أشجاه ماطسم، والد مع