للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلا منافاة بين شفاعته - صلى الله عليه وسلم - هذه وبين قوله تعالى: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} [الزمر:٤٤]؛ لأن معنى هذه الآية: أنه سبحانه هو المالك للشفاعة كلها، وهو الذي يهبها ويمنعها، ويأذن فيها لمن شاء بعد أن يرضى عن المشفوع فيه.

لكن هناك من يمنع الشفاعة مطلقًا إلا الشفاعة الكبرى، ويستدلون على ذلك بالآتي:

١ - قال تعالى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (١٨)} [غافر:١٨].

٢ - قال تعالى: {وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ} [البقرة:١٢٣].

في حين أن المراد بنفي الشفاعة في هاتين الآيتين ونحوهما هي: نفي الشفاعة عن الكفار والمشركين، فلا تُقبل فيهم شفاعة أحد، ولا يأذن الله تعالى لأحد أن يشفع فيهم.

وإنكار الشفاعة هو إنكار لصريح القرآن الكريم؛ فقد ذكرها القرآن الكريم مثبتًا لها في عدة آيات، ومنها:

١ - قال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:٢٥٥].

٢ - قال تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء:٢٨].

٣ - قال تعالى: {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (١٠٩)} [طه:١٠٩].

٤ - قال تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (٢٦)} [النجم:٢٦].

ثانيًا: قول المشكك: «وإن دخول الجنة بالإيمان والعمل الصالح» سيأتي الكلام عليه مفصلًا إن شاء الله في موضعه؛ حيث يورد الأدلة على أن دخول الجنة هو بالإيمان والعمل الصالح، وليس برحمة الله كما يقول.

ثالثًا: قول المشكك: «ويقولون: بل سيضع ذنوب المسلمين على اليهود والنصارى» الجواب عنه:

١ - هو يشير بقوله هذا الى الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي بردة عن أبيه - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِذُنُوبٍ أَمْثَالِ الْجِبَالِ فَيَغْفِرُهَا اللهُ لَهُمْ، وَيَضَعُهَا عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. فِيمَا أَحْسِبُ أَنَا. قَالَ أَبُو رَوْحٍ -أحد الرواة-: لَا أَدْرِي مِمَّنِ الشَّكُّ) (١).

وفي لفظ آخر عند مسلم: عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دَفَعَ اللهُ - عز وجل - إِلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا فَيَقُولُ: هَذَا فِكَاكُكَ مِنَ النَّارِ) (٢).


(١) صحيح مسلم، كتاب التوبة، باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله (٤/ ٢١٢٠)، رقم (٢٧٦٧).
(٢) المصدر السابق، نفس الكتاب والباب (٤/ ٢١١٩)، رقم (٢٧٦٧).

<<  <   >  >>