للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشبهة الرابعة

إثبات الصوت لله - عز وجل - يقتضي التجسيم

الحديث الرابع الذي رده صاحب الرسالة: حديث: نفي الصوت لله - عز وجل -.

يقول صاحب الرسالة:

«روى البخاري في صحيحه في كتاب التوحيد معلقًا بصيغة التمريض -حيث قال-: ويُذكر عن جابر عن عبد الله بن أُنيس قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (يَحْشُرُ اللَّهُ العِبَادَ، فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ: أَنَا المَلِكُ .. أَنَا الدَّيَّانُ)» (١).

ثم قال: «قال المحققون الأفاضل: هذا حديث ضعيف الإسناد، في سنده: عبد الله بن محمد بن عقيل، ضعيف جدًا، والقاسم بن عبد الواحد، وهو صاحب مناكير».

وقال أيضًا: «ونجد أن المجسمة أثبتوا أن لله صوتًا من هذا الحديث، تعالى الله عما يقولون.

أضف إلى ذلك: أن علماء أصول الحديث قالوا بأن المعلق إذا جاء بصيغة الجزم -كـ: قال، وذَكَر، وحَكَى- فهو حكم بصحته عن المضاف إليه. هذا عند بعض العلماء. أما إذا جاء بصيغة التمريض -كـ: قيل، وذُكر، وحُكي- فليس فيه حكم بصحته عن المضاف إليه (٢).

من هنا نعلم: أن هذا الحديث شاذ مردود. فكيف يقولون: إن كتاب البخاري كله صحيح؟ ونحن نقول: فيه المقبول وفيه المردود»؟ اهـ.

والجواب:

أقول: لقد اشتمل كلامه هذا على جهل وكذب وتجهّم، وبيان ذلك والرد عليه أوجزه فيما يلي:

أولًا: أن هذا الحديث ذكره البخاري في صحيحه معلقًا في موضعين:

الموضع الأول: بصيغة الجزم. وقد ذكره في كتاب العلم في باب الخروج في طلب العلم (٣).

والموضع الثاني: بصيغة التمريض. وذكره في كتاب التوحيد في باب قول الله تعالى: {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٢٣)} [سبأ:٢٣].


(١) صحيح البخاري تعليقًا، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٢٣)} [سبأ:٢٣]، ولم يقل: "ماذا خلق ربكم" (٩/ ١٤١)، بدون رقم.
(٢) انظر: مقدمة ابن الصلاح (ص:٢٤ - ٢٥).
(٣) فقد قال البخاري: (وَرَحَلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ). صحيح البخاري، كتاب العلم، باب الخروج في طلب العلم (١/ ٢٦)، بدون رقم.

<<  <   >  >>