للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الشبهة الأولى]

عدم أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بكتابة السنة وهي وحي

يقول المشكك:

«هل تصور الفقهاء بأن النبي كان لا يعلم بأن أقواله في السنة وحي؟ فكيف يفرط رسول الله في السنة ويأمر بعدم كتابتها وهي وحي من السماء كما يزعمون (١)» (٢)؟

والجواب:

أولًا: النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أولًا عن كتابة السنة حتى لا تلتبس بالقرآن الكريم، ثم أجاز كتابتها بعد ذلك؛ لما تميز أسلوب القرآن عن أسلوب السنة عند الصحابة - رضي الله عنهم -، ولم يعد ملتبسًا عليهم (٣).

ثانيًا: أن السنة وإن كانت وحيًا إلا أنه يختلف وحيها عن وحي القرآن، فالقرآن أوحي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - باللفظ والمعنى، وهو معجز ومتعبد به، بخلاف السنة، فقد أُوحيَت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمعنى دون اللفظ، فهو -أي: اللفظ- من النبي - صلى الله عليه وسلم -. وليست هذه الألفاظ معجزة ولا متعبدًا بها، فلذلك لم تكن كتابتها واجبة، بل مستحبة؛ لأنه ليس واجبًا الحفاظ على ألفاظها، وإنما الواجب الحفاظ على المعنى فيها. وهذا ما حافظ عليه الرواة من الصحابة - رضي الله عنهم - ثم من بعدهم، حتى تدوينها جميعها بعد ذلك.

والله أعلم.


(١) يشير إلى: حديث أبي سعيد الخدري سعد بن مالك بن سنان - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لَا تَكْتُبُوا عَنِّي، وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ). صحيح مسلم. وقد تقدم.
(٢) وقد بينا فيما سبق: أن المسلمين قد أجمعوا على كتابة الحديث، ونقلنا قول الحافظ ابن الصلاح بعد أن ذكر خلاف أهل العلم في الصدر الأول في جواز كتابة الحديث: «ثم إنه زال ذلك الخلاف وأجمع المسلمون على تسويغ ذلك وإباحته، ولولا تدوينه في الكتب لدرس في الأعصر الآخرة». مقدمة ابن الصلاح (ص:١٨٣).
ونقل الإمام النووي قول القاضي: «ثم أجمع المسلمون على جوازها، وزال ذلك الخلاف». شرح صحيح مسلم للنووي (١٨/ ١٢٩).
(٣) وقد تقدم بيان ذلك في الفصل الأول من هذا الكتاب.

<<  <   >  >>