للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[المقدمة]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فإن السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم هي المصدر الموازي للتشريع مع القرآن الكريم، بل قد استقلت عنه بتشريعات كثيرة لم ترد فيه، كما سيأتي بيانه إن شاء الله.

ولذلك فقد حفظها الله تعالى في الجملة بأن سخر لها رجالًا ينفون عنها تحريف الغالين وكذب الوضاعين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، يحفظونها في صدورهم ومسطورهم، ويميزون صحيحها من سقيمها، وسليمها من معلولها، فوصلت إلينا ناصعة جلية، ومكتوبة بينة.

ولم يشكك فيها أحد ممن سبق إلا الزنادقة والرافضة (١)، فتصدى لهم العلماء الجهابذة قديمًا وحديثًا، وبينوا زيف ادعاءاتهم وتهافت شبهاتهم.

هذا ويجب العمل بالسنة سواءً كانت قولية أو عملية عند العلماء جميعًا -غير من ذكرنا (٢) - بغير استثناء، ولا تفريق بين قولية وعملية منها؛ لأن الجميع مصدره واحد.

ومن يفرق بين السنة القولية والسنة العملية أو يثير حولها الشبهات ويدعي تعارضها مع القرآن أقول له ولأمثاله: «إن في قلوبكم وعقولكم وأفهامكم مرضًا».

إذ لم يزل المسلمون منذ القرن الأول وإلى اليوم يعملون بالسنة القولية والعملية والقرآن معًا، ولم يجدوا بينهم تناقضًا ولا تعارضًا، وكانوا مع ذلك سادة الدنيا والدين، هزموا الكفار والملاحدة، والقرامطة والباطنية، والخوارج وسائر الفرق الضالة بالسنان والبرهان، وردوا على أهل الكلام والفلاسفة ومن على شاكلتهم، وهزموهم كذلك، ودحضوا حججهم.

وبقي الإسلام والمسلمون وعلماء الحديث وسائر أهل العلم تقرأ بينهم كتب الحديث وتتداول، وكانت محل إجلال وعمل، حتى جاء هذا العصر وظهرت العلمانية وانبعثت الباطنية من جديد؛ لتفصم بين المسلمين ودينهم، وتشكك في أخلاقهم وعقيدتهم.


(١) قال الإمام السيوطي: «الزنادقة وطائفة من غلاة الرافضة ذهبوا إلى إنكار الاحتجاج بالسنة والاقتصار على القرآن». مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة للسيوطي (ص:٦).
(٢) أي: الزنادقة والرافضة الذين سبق ذكرهم.

<<  <   >  >>