للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشبهة الثانية

اتهام الصحابة باللغط لما هَمَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكتب لهم كتابًا في مرض موته

الحديث الثاني الذي رده صاحب الرسالة: حديث: ما وقع من لغط بين الصحابة - رضي الله عنهم - لما أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - في مرض موته أن يكتب لهم كتابًا.

يقول صاحب الرسالة:

«جاء في رواية البخاري من كتاب المرض والطب: (أنه اجتمع عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رِجَالٌ -فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ-، فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: هَلُمُّوا أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ: إِنَّ النَّبِيَّ قَدْ غَلَبَهُ الوَجَعُ -يعني: يهذي ويتكلم بما لا يعي-، وَعِنْدَنَا الْقُرْآنُ، حَسْبُنَا كِتَابُ اللهِ. فاختلف الحاضرون وَاخْتَصَمُوا، فأمرهم النبي بالانصراف) (١).

وفي رواية ثانية: أنهم بعد موقفهم المعارض لكتابة الكتاب قالوا له: (ألا نأتيك بالدواة والكتف يا رسول الله؟! فقال: لا، أبعد الذي قلتم؟ ولكني أوصيكم بأهل بيتي خيرًا).

وفي رواية للبخاري -المجلد الثالث- باب مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - بسنده إلى سعيد بن جبير: أن ابن عباس كان يقول: (لقد اشتد الوجع برسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الخميس فقال: ائْتُونِي أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا. فَتَنَازَعُوا -وَمَا يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ نِزَاعٌ-، فَقَالُوا: مَا شَأْنُهُ، أَهَجَرَ؟ اسْتَفْهِمُوهُ -القائل هنا: عمر، كما أوضحتها الرواية الأولى-، فَذَهَبُوا يَرُدُّونَ عَلَيْهِ فَقَالَ: دَعُونِي، فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِي إِلَيْهِ. وَأَوْصَاهُمْ بِثَلَاثٍ: إِخْرَاج المُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ العَرَبِ، وَأَنْ يَجِيزُوا الوُفْودَ التي كانت تأتيه بِمِثْلِ مَا كَانْ يُجِيزُهُمْ. وَسَكَتَ الراوي عَنِ الثَّالِثَةِ أَوْ قَالَ: نَسِيتُهَا) (٢). على حدِّ تعبير البخاري». اهـ.

ثم خلص في آخر بحثه إلى رفض الحديث وعدم قبوله، قائلًا: «إن كتاب البخاري ليس قرآنًا منزَّلًا لا يمكن ردّه».

والجواب:

الكلام على هذا الحديث من وجوه:

أولًا: أن هذا الحديث في أعلى درجات الصحة وأرفعها عند العلماء جميعًا، فهو من الأحاديث المتفق عليها، حيث أخرجه كل من البخاري ومسلم في صحيحهما في مواضع، منها:

١ - أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب العلم، باب كتابة العلم، حديث رقم (١١٤)، فقد قال: «حدثنا يحيى بن سليمان قال: حدثني ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: (لَمَّا اشْتَدَّ بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَجَعُهُ قَالَ: ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ. قَالَ عُمَرُ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - غَلَبَهُ الوَجَعُ، وَعِنْدَنَا كِتَابُ اللَّهِ حَسْبُنَا. فَاخْتَلَفُوا وَكَثُرَ اللَّغَطُ، قَالَ: قُومُوا عَنِّي، وَلَا يَنْبَغِي عِنْدِي التَّنَازُعُ. فَخَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَبَيْنَ كِتَابِهِ)» (٣).

٢ - أخرجه البخاري أيضًا في كتاب الجزية، باب إخراج اليهود من جزيرة العرب، حديث رقم (٣١٦٨)،


(١) سيأتي لفظ الحديث بنصه وتخريجه.
(٢) سيأتي لفظ الحديث بنصه وتخريجه.
(٣) صحيح البخاري، كتاب العلم، باب كتابة العلم (١/ ٣٤)، رقم (١١٤). وستأتي رواية صحيح مسلم مستقلة.

<<  <   >  >>