للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المنهي عنه، فعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ) (١).

وما شنّع به صاحب الرسالة على من يقول: إنه - صلى الله عليه وسلم - «بال قائمًا لأنها حالة يُؤمن معها خروج الريح بصوت، ففعل ذلك لكونه قريبًا من الديار» هو من هذا القبيل؛ إذ كيف يُجيز عليه - صلى الله عليه وسلم - البول والغائط وهما أشد ولا يجيز عليه خروج الريح؟! أليس هذا غلوًا؟

ولا يعني جواز ذلك عليه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يفعله بحضرة الناس، فإن هذا مما عصمه الله منه، وهو غير لائق بأدنى البشر، فكيف به - صلى الله عليه وسلم - وهو خير البشر؟ ولأجل هذا كان إذا أراد الحاجة انطلق حتى لا يراه أحد (٢).

وليتأمل هؤلاء الغالون في معنى قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [الكهف:١١٠]. ليعلموا بأنه - عليه الصلاة والسلام - لم يخرج عن صفة البشرية التي فطر الله عليها الخلق، غير أن الله تعالى ميزه عنهم بالوحي، ثم عصمه بسبب ذلك من الوقوع في الإثم وسائر ما يُزري بمنصب النبوة.

على أن هذه العصمة هي أمر خارجي، وليست من الصفات البشرية؛ لأن البشر جميعًا جُبِلُوا على الخير والشر، فمن نفى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - صفة من هذه الصفات الجبلّية التي لم يعصمه الله منها فقد أخرجه عن بشريته، وجاوز حدَّ الإطراء فيه.

بصَّر الله الجميع بالحق، وهدانا إلى سواء السبيل.


(١) صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا} [مريم:١٦] (٤/ ١٦٧).
(٢) روى ذلك عنه - صلى الله عليه وسلم - عدة صحابة - رضي الله عنهم - في عدة أحاديث، ومنهم:
١ - عن عبد الرحمن بن أبي قُرَاد - رضي الله عنه - قال: (خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْخَلَاءِ، وَكَانَ إِذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ أَبْعَدَ). مسند أحمد (٢٤/ ٤٢٨)، رقم (١٥٦٦٠)، وسنن ابن ماجة، كتاب الطهارة وسننها، باب التباعد للبراز في الفضاء (١/ ١٢١)، رقم (٣٣٤)، وسنن النسائي، كتاب الطهارة، الإبعاد عند إرادة الحاجة (١/ ١٧)، رقم (١٦). وقال الألباني: «صحيح». صحيح سنن ابن ماجة للألباني (١/ ١٢٢)، رقم (٢٧١).
٢ - عن جابر - رضي الله عنه - قال: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَا يَأْتِي الْبَرَازَ حَتَّى يَتَغَيَّبَ فَلَا يُرَى). سنن الدارمي، المقدمة، باب ما أكرم الله تعالى به نبيه - صلى الله عليه وسلم - من إيمان الشجر به والبهائم والجن (١/ ١٦٧)، رقم (١٧)، وسنن ابن ماجة، كتاب الطهارة وسننها، باب التباعد للبراز في الفضاء (١/ ١٢١)، رقم (٣٣٥)، وسنن أبي داود، كتاب الطهارة، باب التخلي عند قضاء الحاجة (١/ ١)، رقم (٢). وقال الألباني: «صحيح». صحيح سنن ابن ماجة للألباني (١/ ١٢٢)، رقم (٢٧٢).

<<  <   >  >>