للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومما تقدم يتضح لنا: أن البول قائمًا ليس عملًا منكرًا ولا مستهجنًا، ولا مخالفًا للآداب والأخلاق النبيلة، بل هو أمر مألوف للعرب في جاهليتهم وإسلامهم.

ثالثًا: لما كان غالب أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - البول قاعدًا (١) مع إضافة حديث عائشة - رضي الله عنها - السابق: (مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَبُولُ قَائِمًا فَلَا تُصَدِّقُوهُ، مَا كَانَ يَبُولُ إِلَّا قَاعِدًا) (٢) إلى ذلك فقد حاول بعض الأئمة الأعلام تفسير بوله - صلى الله عليه وسلم - قائمًا، والأسباب التي دعته - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك، فذكروا أمورًا معقولة لا تنافي توقيره ومحبته وعصمته - صلى الله عليه وسلم -، وليست مختلقة، كما يدَّعي صاحب الرسالة، وهي كذلك متوافقة مع بشريته - عليه الصلاة والسلام -، ومما ذكروه في ذلك:

١ - ما روي عن الإمامين الشافعي وأحمد: أن العرب كانت تستشفي لوجع الصلب بالبول قائمًا. فلعله - صلى الله عليه وسلم - كان به هذا الوجع.

٢ - أنه كان به - صلى الله عليه وسلم - علة في مأبضه -أي: باطن ركبته-، فلم يتمكن - صلى الله عليه وسلم - لأجله من القعود. ورُوي في ذلك حديث لم يصح (٣).

٣ - ما ذكره الحافظ ابن حبان: "من أنه لم يجد مكانًا يصلح للقعود، فقام؛ لكون الطرف الذي يليه من السباطة كان عاليًا، فأمن أن يرتد إليه شيء من بوله" (٤).

٤ - أنه - صلى الله عليه وسلم - إنما بال قائمًا لأن السباطة رخوة يتخللها البول، فلا يرتد إلى البائل منه شيء.

٥ - ومنها -وهو الأظهر والأصح-: أنه - صلى الله عليه وسلم - بال قائمًا لبيان الجواز، وكان أكثر أحواله - صلى الله عليه وسلم - البول عن قعود (٥).

رابعًا: بقي أن أقول: إن تعظيم النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى حدٍّ يخرجه عن بشريته هو من الغلوّ المحرَّم والإطراء


(١) قال الخطابي: «والثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمعتاد من فعله البول قاعدًا». أعلام الحديث "شرح صحيح البخاري" للخطابي (١/ ٢٨٠).
(٢) سنن ابن ماجة وسنن الترمذي وسنن النسائي، وصححه الألباني. وقد تقدم.
(٣) وهو: عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: (أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَالَ قَائِمًا مِنْ جُرْحٍ كَانَ بِمَأْبِضِهِ). المستدرك للحاكم، كتاب الطهارة (١/ ٢٩٠)، رقم (٦٤٥)، والسنن الكبرى للبيهقي، كتاب الطهارة، أبواب الاستطابة، باب البول قائمًا (١/ ١٦٤)، رقم (٤٨٩). وقال الألباني: «ضعيف». إرواء الغليل للألباني (١/ ٩٦)، رقم (٥٨).
(٤) قال ابن حبان: «عدم السبب في هذا الفعل هو: عدم الإمكان، وذاك: أن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أتى السباطة -وهي المزبلة-، فأراد أن يبول فلم يتهيأ له الإمكان؛ لأن المرء إذا قعد يبول على شيء مرتفع عنه ربما تفشى البول فرجع إليه، فمن أجل عدم إمكانه من القعود لحاجة بال - صلى الله عليه وسلم - قائمًا». صحيح ابن حبان (٤/ ٢٧٤).
وقال الخطابي: «السبب في بوله قائمًا: أنه قد أعجله البول ولم يجد للقعود موضعًا؛ إذ كان ما يليه من طرف السباطة مرتفعا عاليًا». أعلام الحديث "شرح صحيح البخاري" للخطابي (١/ ٢٧٨).
(٥) شرح صحيح مسلم للنووي (٢/ ١٦٥ - ١٦٦)، وفتح الباري لابن حجر (١/ ٣٣٠).

<<  <   >  >>