للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الشبهة الثالثة والعشرون]

اتهام المحدثين بمخالفة القرآن

في قولهم بعدم الإشهاد على الطلاق واحتسابهم الطلاق بإقرار أحد الزوجين

يقول المشكك:

«ويقول تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢)} [الطلاق:٢].

فيقول فقهاؤنا بعدم ضرورة الإشهاد على الطلاق، ويحتسبون الطلاق بإقرار الزوجة أو الزوج».

والجواب:

أولًا: قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق:٢] الإشهاد في هذه الآية ليس المراد به الإشهاد على الطلاق، وإنما: الإشهاد على الرجعة. وبهذا قال أكثر العلماء والمفسرين؛ وذلك:

١ - لما قد يحصل من إنكار الزوجة لها خاصة بعد انقضاء العدة.

٢ - قطعًا للشك في حصولها.

٣ - ابتعادًا عن الاتهام في العودة إلى معاشرة الزوجة بلا رجعة.

وليس الإشهاد عند هؤلاء واجبًا، ولكنه مستحب؛ لما تقدم ذكره.

وقالت الظاهرية بوجوب الإشهاد على الرجعة، وإن لم يشهد عندهم فلا تصح.

وعللوا ذلك:

١ - أن الأمر بالإشهاد في الآية هو للوجوب.

٢ - أن الشهادة شرط في إنشاء الزواج بالاتفاق، فتكون شرطًا في استدامته بالرجعة.

ثانيًا: أجمع العلماء على: أنه لا يجب الإشهاد على الطلاق؛ لما جاء من أن عدة من الصحابة - رضي الله عنهم - طلقوا زوجاتهم ولم يقع منهم إشهاد على طلاقهم وأقرهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومنهم:

١ - ابن عمر - رضي الله عنهما - (١).


(١) عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: (أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيَتْرُكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللهُ - عز وجل - أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ). صحيح البخاري، كتاب الطلاق، باب -ولم يذكر له عنوانًا- (٧/ ٤١)، رقم (٥٢٥١)، وصحيح مسلم، كتاب الطلاق، باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها وأنه لو خالف وقع الطلاق ويُؤمر برجعتها (٢/ ١٠٩٣)، رقم (١٤٧١).
ووجه الدلالة من هذا الحديث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علمه كيفية الطلاق للسنة وأمره به، ولم يأمره بالإشهاد عليه.
وعن نافع قال: (طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنه - امْرَأَتَهُ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ، فَكَانَ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا إِلَّا بِإِذْنٍ، فَلَمَّا رَاجَعَهَا أَشْهَدَ عَلَى رَجْعَتِهَا وَدَخَلَ عَلَيْهَا). السنن الكبرى للبيهقي، كتاب الرجعة، باب ما جاء في الإشهاد على الرجعة (٧/ ٦١١)، رقم (١٥١٨٨). قال في "صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة" -لأبي مالك كمال بن السيد سالم- «إسناده صحيح». صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة لأبي مالك كمال بن السيد سالم (٣/ ٢٦٠)، حاشية رقم (٢).
ووجه الدلالة من هذا الحديث: أن ابن عمر - رضي الله عنه - لو كان أشهد على الطلاق لأخبر به نافع كما أخبر أنه - رضي الله عنه - أشهد على الرجعة. والله أعلم.

<<  <   >  >>