للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مكانة صحيحي البخاري ومسلم في التاريخ العلمي الإسلامي (١)

لم يقع كتاب بعد القرآن الكريم في نفوس المسلمين كما وقع الصحيحان منهم، فقد أُريحوا من النظر في أسانيدهما؛ لأن رجالهما كما قال الإمام الذهبي: «قد قفزا القنطرة» (٢).

وأُريحوا من النظر في عللهما من حيث الاتصال والإرسال، والوقف والرفع، والشذوذ وعدمه، وغير ذلك؛ لأن الشيخين اشترطا ألا يخرجا إلا الحديث الصحيح الذي اتصل سنده، وكان كل من رواته موصوفًا بالضبط، وسلم من الشذوذ والعلة القادحة (٣).

وزاد البخاري فاشترط في اتصال السند: أن يكون كل واحد من الرواة قد لقي من حدَّث عنه ولو مرة واحدة. واكتفى مسلم في ذلك بالمعاصرة إذا أمكن اللقاء، كما هو مذهب الجمهور (٤).

ثم إن من نظر في طريقة الشيخين في تأليفهما لصحيحيهما والمدة التي استغرقاها في ذلك تمحيصًا وتدقيقًا وعدد الأحاديث التي استخلصاها منها وإجماع العلماء على تلقي ما فيهما بالقبول سوى أحاديث يسيرة، إضافة إلى عوامل أخرى كـ: جلالة الشيخين، وتقدمهما على غيرهما في معرفة الصحيح يدرك حقيقة أهمية هذين الكتابين عند المسلمين، وعِظَم مكانتهما في نفوسهم.

فقد استخرج البخاري صحيحه من ستمائة ألف حديث، كما روى عنه أبو علي الغساني وغيره (٥)، واستخرج مسلم صحيحه من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة، كما رواه عنه الخطيب البغدادي (٦). غير أن هذه العبارة كما يقول ابن الصلاح: «قد يندرج تحتها عندهم آثار الصحابة والتابعين، وربما عد الحديث المروي بإسنادين حديثين» (٧).

وقد استغرق البخاري في تصنيف صحيحه ست عشرة سنة، وما أدخل فيه حديثًا إلا اغتسل وصلى ركعتين، واستخار الله في إدخالها فيه، فقد جاء عنه أنه قال: «صنفت الجامع من ستمائة ألف حديث في ست عشرة سنة، وجعلته حجة فيما بيني وبين الله» (٨).


(١) نشر هذا الموضوع في: جريدة الصحوة يوم الخميس (٣٠/ ٣/٢٠٠٠ م)، العدد (٧١٦)، (الحلقة الأولى). بنفس العنوان.
(٢) الموقظة في علم مصطلح الحديث للذهبي (ص:٨٠).
(٣) انظر: شرح صحيح مسلم للنووي (١/ ١٥)، وتوجيه النظر إلى أصول الأثر للسمعوني الجزائري (٢/ ٥٤٦).
(٤) انظر: تدريب الراوي للسيوطي (١/ ٢٤٥ - ٢٤٦).
(٥) قال أبو على الغساني: «رُوي عنه -يعني: البخاري- أنه قال: خرجت الصحيح من ستمائة ألف حديث». هدي الساري مقدمة فتح الباري لابن حجر العسقلاني (ص:٥)
(٦) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (١٥/ ١٢٢)، ترجمة: مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، رقم الترجمة (٧٠٤١).
(٧) مقدمة ابن الصلاح (ص:٢٠ - ٢١).
(٨) هدي الساري لابن حجر (ص:٤٩٠).

<<  <   >  >>