للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الشبهة الثامنة والثلاثون]

اتهام المحدثين والفقهاء بمخالفتهم لبعض الأحاديث

يقول المشكك:

«وقد عرضت أحاديث ردها الأئمة الأربعة، بينما أثبتها البخاري ومسلم بصحيحيهما». ثم ذكر أمثلة لذلك لكل من الأئمة أحمد ومالك وأبي حنيفة.

والجواب:

يجاب عن هذا عمومًا بما أجاب به الإمام ابن تيمية في كتابه "رفع الملام عن الأئمة الأعلام"، ومما قاله فيه:

١ - قال: «يجب على المسلمين بعد موالاة الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - موالاة المؤمنين، كما نطق به القرآن، خصوصًا العلماء الذين هم ورثة الأنبياء، الذين جعلهم الله بمنزلة النجوم يُهتدى بهم في ظلمات البر والبحر، وقد أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم؛ إذ كل أمة قبل مبعث نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فعلماؤها شرارها، إلا المسلمين فإن علماءهم خيارهم؛ فإنهم خلفاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أمته، والمحيون لما مات من سنته، بهم قام الكتاب، وبه قاموا، وبهم نطق الكتاب، وبه نطقوا» (١).

٢ - قال: «وليعلم أنه ليس أحد من الأئمة المقبولين عند الأمة قبولًا عامًا يتعمد مخالفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شيء من سنته دقيق ولا جليل، فإنهم متفقون اتفاقًا يقينيًا على وجوب اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وعلى أن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ولكن إذا وجد لواحد منهم قول قد جاء حديث صحيح بخلافه فلا بد له من عذر في تركه.

وجميع الأعذار ثلاثة أصناف:

أحدها: عدم اعتقاده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاله.

والثاني: عدم اعتقاده إرادة تلك المسألة بذلك القول.

والثالث: اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ» (٢).

٣ - قال: «وهذه الأصناف الثلاثة تتفرع إلى أسباب متعددة:

السبب الأول: ألا يكون الحديث قد بلغه، ومن لم يبلغه الحديث لم يكلف أن يكون عالمًا بموجبه، وإذا لم يكن قد بلغه وقد قال في تلك القضية بموجب ظاهر آية أو حديث آخر أو بموجب قياس أو موجب استصحاب فقد يوافق ذلك الحديث تارة ويخالفه أخرى.


(١) رفع الملام عن الأئمة الأعلام لابن تيمية (ص:٨).
(٢) المصدر السابق (ص:٨ - ٩).

<<  <   >  >>