ويدل على ذلك: حديث العرباض بن سارية - رضي الله عنه - قال: (وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَوْعِظَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ هَذِهِ لَمَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ قَالَ: قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ، مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ). مسند أحمد (٢٨/ ٣٦٧)، رقم (١٧١٤٢)، وسنن ابن ماجة، المقدمة، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين (١/ ١٦)، رقم (٤٣). وقال الألباني: «صحيح». صحيح سنن ابن ماجة للألباني (١/ ٣٣)، رقم (٤١). قال الإمام السندي: «قوله: (عَلَى الْبَيْضَاءِ) أي: الملة والحجة الواضحة التي لا تقبل الشبه أصلًا، فصار حال إيراد الشبه عليها كحال كشف الشبه عنها ودفعها، وإليه الإشارة بقوله: (لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا)». حاشية السندي على سنن ابن ماجة (١/ ٢٠). فصار (لَيْلُهَا) أي: حال إيراد الشُّبه عليها (كَنَهَارِهَا) أي: كحال كشفِ الشبه عنها ودفعها عنها، فلا ينقص وضوحُها بإيراد الشبه عليها. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه والقول المكتفى على سنن المصطفى لمحمد الأمين بن عبد الله بن يوسف بن حسن الأُرمي العَلوي الأثيوبي الهَرَري الكري البُوَيطي (١/ ١٦٥). وقال ابن الأمير الصنعاني: «(لَيْلُهَا) في إشراقه (كَنَهَارِهَا)، المراد: أنه لا لبس فيها ولا ريب، بل قد اتضحت إيضاح النهار. ومنه يُعلم أنه لا لبس في دين الله، ولا يحتاج إلى تكلفات المتكلمين وشطحات المتهوكين». التنوير شرح الجامع الصغير لابن الأمير الصنعاني (٨/ ٤٩). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ)، أي: لا يضل ولا يميل عن تلك الملة البيضاء إلى غيرها بعد وفاتي إلا من سبق عليه الهلاك الأبدي في علمه تعالى والحرمان عنها وحُكِم عليه به. أتى من قبل نفسه. انظر: التنوير شرح الجامع الصغير لابن الأمير الصنعاني (٨/ ٤٩)، ومرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجة والقول المكتفى على سنن المصطفى لمحمد الأمين بن عبد الله بن يوسف بن حسن الأُرمي العلوي الأثيوبي الهَرَري الكري البُويطي (١/ ١٦٥). والمعنى: لا يميل ولا يخرج عن الملة ويعمل بخلافها متعمدًا إلا الهالك الذي مأواه جهنم وبئس المصير. مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه لمحمد بن علي بن آدم بن موسى (١/ ٥٤٦).