للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث السادس

حفظ السنة في الجملة

لقد تكفل الله تعالى بحفظ القرآن الكريم من أن تمتد إليه يد التحريف بزيادة أو نقصان، وتولّى سبحانه حفظه، ولم يكل ذلك إلى أحد سواه، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)} [الحجر:٩].

ولما كان هذا القرآن الكريم يشتمل على أحكام وفرائض وحدود وأوامر ونواه مجملة ومطلقة وعامة ومبهمة فقد أوجب الله تعالى على رسوله - صلى الله عليه وسلم - تبيينها وتوضيحها للناس؛ حتى لا يلتبس عليهم دينهم وكتاب ربهم، فقام - صلى الله عليه وسلم - بذلك أحسن قيام، وذلك فيما يعرف بين المسلمين بـ"السنة".

وعلى هذا الاعتبار فلم يكن من المجازفة القول: إن من تمام حفظ القرآن حفظ السنة كذلك؛ لأنه لا يعبد الله حق عبادته بدونها، ولا يعبد كما شرع - جل وعلا -. ولأجل هذا فقط حفظ الله تعالى سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - في الجملة، وذلك من خلال تسخيره لها رجالًا يحفظونها في صدورهم وكتبهم، وينفون عنها تحريف الغالين وتأويل الجاهلين وانتحال المبطلين.

[طُرق حفظ السنة النبوية]

يمكن أن تُجمل العوامل التي حُفظت بها السنة في الآتي:

[أولاً: الكتابة]

وتعني: كتابة الحديث وجمعه لا على سبيل الاستقصاء والتبويب.

وقد ابتدأت كتابة السنة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - (١)، وأشهر من كان يكتب الحديث في هذا العهد: عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -، ويدل لذلك:

١ - عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: (كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أُرِيدُ حِفْظَهُ، فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ وَقَالُوا: أَتَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا؟ فَأَمْسَكْتُ عَنِ الْكِتَابِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَوْمَأَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى فِيهِ فَقَالَ: اكْتُبْ؛ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ) (٢).

٢ - عن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي - رضي الله عنه - قال: «مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّي، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلَا أَكْتُبُ» (٣).


(١) وقد أحصى الدكتور محمد مصطفى الأعظمي الصحابة الذين كتبوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الحديث فبلغوا اثنين وخمسين صحابيًا - رضي الله عنهم -. انظر: دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه للدكتور/ محمد مصطفى الأعظمي (٢/ ٩٢ - ١٤٢).
(٢) مسند أحمد وسنن أبي داود، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود. وقد تقدم.
(٣) صحيح البخاري، كتاب العلم، باب كتابة العلم (١/ ٣٤)، رقم (١١٣).

<<  <   >  >>