وقال أيضًا: «والله لم يرتب عقوبة على المرتدين، وقد ارتد على عهد رسول الله كثيرون فلم يقتلهم.
وقال أيضًا: «ويقول جل في علاه: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (٩٠)} [آل عمران:٩٠]. فهاهم يكفرون دون أن تمتد إليهم يد القتل المسماة بـ"حد الردة"».
والجواب:
أولًا: استدلال هذا المشكك بهذه الآيات وغيرها على إنكار حد الردة وعدم تشريعه لكونه لم يذكر في القرآن الكريم استدلال سقيم وعقيم وغير صحيح؛ للآتي:
١ - هذه الآيات لم تنف حد الردة أبدًا، ولم تتعرض له لا من قريب ولا من بعيد؛ لأنها جميعها تتحدث عن العقوبة الأخروية للمرتد دون العقوبة الدنيوية له.
٢ - قوله تعالى:{فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}[الكهف:٢٩] ليس فيه إباحة للردة، ولا ترك الحرية لمن شاء في اختيار الكفر، بل هو لفظ سيق مساق التهديد والوعيد الشديد؛ بدليل ما بعده، وهو قوله:{إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا}[الكهف:٢٩]، أي: إنا أعتدنا للكافرين والمشركين والمرتدين نارًا عظيمة تحيط بهم من كل الجهات (١).
ولو كان في قوله:{فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} ترك الحرية لهم في اختيار الكفر لكان وعيده سبحانه الشديد لهم بالنار المحدقة بهم من باب التناقض منه، وحاشاه - جل وعلا -! إذ كيف يسمح لهم أولًا بالكفر ثم يعذبهم عليه؟ هذا تناقض، وكلامه سبحانه منزه عن التناقض والتضاد.
(١) قال ابن كثير: «{فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:٢٩] هذا من باب التهديد والوعيد الشديد؛ ولهذا قال: {إِنَّا أَعْتَدْنَا} أي: أرصدنا {لِلظَّالِمِينَ} وهم الكافرون بالله ورسوله وكتابه {نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا}، أي: سورها». تفسير ابن كثير (٥/ ١٥٤).