للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الشبهة الثالثة]

اتهام السنة بمخالفة القرآن

في عدم قصر الصلاة إلا حالة الخوف فقط

يقول المشكك:

«وحين يقول تعالى: إن قصر الصلاة يكون في السفر في حالة الخوف.

فيقولوا: بل في السفر فقط بلا خوف (١)».

والجواب:

أولًا: لا توجد آية في القرآن الكريم بهذا اللفظ الذي ذكره: "أن قصر الصلاة يكون في السفر في حالة الخوف"، وهو إنما يقصد بذلك قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء:١٠١].

وهذا يدل على جهله بقدسية القرآن الكريم الذي اتفق العلماء على أنه لا يجوز أن يقول الشخص: "قال الله تعالى" ثم يورد الآية بمعناها. ولكن في حالة الإخبار بحكم الآية فلا مانع من إيراد معناها، كما لو قال: إن الله تعالى أخبر في كتابه أن قصر الصلاة يكون في السفر في حالة الخوف لساغ له ذلك.

ثانيًا: قوله تعالى: {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء:١٠١] في الآية عدة أجوبة للعلماء:

١ - أن هذا القيد والشرط في الآية ليس مرادًا، وقد خرج مخرج الغالب عند نزولها؛ إذ كانت غالب أسفارهم في ذلك الوقت مخوفة، وهي إما لغزو عام أو في سرية. وقد قال الأصوليون: "إن المنطوق إذا خرج مخرج الغالب أو على حادثة معينة فلا مفهوم له" (٢). مثل قوله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} [النور:٣٣]. فهذا القيد لا مفهوم له بالإجماع؛ لأنه لا يجوز للسيد أن يكره أمته على الزنا، سواء كانت عفيفة أو غير عفيفة.


(١) وعلى هذا دلت السنة النبوية المتواترة، كما سيأتي.
(٢) قال الإمام القرافي: «المفهوم متى خرج مخرج الغالب فليس بحجة إجماعًا». شرح تنقيح الفصول للقرافي (ص:٢٧١).
وقال أيضًا: «وهو معنى قول العلماء: "إن الكلام متى خرج مخرج الغالب لا يكون له مفهوم" بمعنى: أنه متى كانت الصفة غالبة علي ذلك المحل لا يكون له مفهوم». نفائس الأصول في شرح المحصول للقرافي (٣/ ١٣٨٤).
وقال الطوفي: «فائدة: اتفق القائلون بالمفهوم على أن ما ظهر سبب تخصيصه للمنطوق بالذكر لا مفهوم له، كوقوعه جوابًا لمن سأل عنه، أو خروجه مخرج الأعم الأغلب»، ثم مثَّل لكل نوع منهما. شرح مختصر الروضة للطوفي (٢/ ٧٧٥).

<<  <   >  >>