للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الشبهة الرابعة عشرة]

اتهام المحدثين بمخالفة القرآن

في عدم اكتفائهم به

يقول المشكك:

«ويقول تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥١)} [العنكبوت:٥١].

فيقول أهل الحديث: نعم نحن لا يكفينا الكتاب».

والجواب:

أولًا: قوله عن أهل الحديث: "إنهم يقولون: نحن لا يكفينا الكتاب" يقصد بذلك: إن رجوعهم إلى السنة وأخذ الأحكام منها مع القرآن الكريم تصريح منهم بأن الكتاب لا يكفيهم. وقوله هذا هو من الافتراء عليهم.

ثانيًا: استدلاله بالآية على أن القرآن يُغني عن السنة وأن الأخذ بالسنة يعني: عدم كفاية القرآن غير صحيح؛ من عدة وجوه:

١ - أن هذه الآية نزلت جوابًا لقول المشركين: {لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ} [العنكبوت:٥٠].

والمعنى: أولم يكف المشركين من الآيات هذا الكتاب المعجز الذي قد تحديتهم بأن يأتوا بمثله أو بسورة منه، فعجزوا؟ ولو أتيتهم يا محمد بآيات موسى وعيسى - عليهما السلام - كلها لقالوا لك: إنها سحر، ونحن لا نعرف السحر (١).

٢ - عن يحيى بن جعدة قال: (أُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِكَتِفٍ فِيهِ كِتَابٌ (٢) فَقَالَ: كَفَى بِقَوْمٍ ضَلَالًا أَنْ يَرْغَبُوا عَمَّا جَاءَ بِهِ نَبِيُّهُمْ إِلَى مَا جَاءَ بِهِ نَبِيٌّ غَيْرُ نَبِيِّهِمْ أَوْ كِتَابٌ غَيْرُ كِتَابِهِمْ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عز وجل -: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥١)} [العنكبوت:٥١]) (٣).


(١) انظر: تفسير ابن كثير (١/ ٦٠)، و (٦/ ٢٨٧ - ٢٨٨).
(٢) أي: مكتوب فيه من التوراة.
(٣) سنن الدارمي، المقدمة، باب من لم ير كتابة الحديث (١/ ٤٢٥)، رقم (٤٩٥)، وتفسير ابن جرير الطبري (٢٠/ ٥٣)، وتفسير ابن أبي حاتم (٩/ ٣٠٧٢ - ٣٠٧٣)، وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر، باب مختصر في مطالعة كتب أهل الكتاب والرواية عنهم (٢/ ٨٠٠)، رقم (١٤٨٥). وقال في القطوف الدانية فيما انفرد به الدارمي عن الثمانية -جمع وتحقيق: الدكتور/ مرزوق بن هياس الزهراني-: «هو مرسل، رجاله ثقات». القطوف الدانية فيما انفرد به الدارمي عن الثمانية للدكتور/ مرزوق بن هياس الزهراني (ص:١٢٧)، حاشية رقم (٣).

<<  <   >  >>