للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[ثناء العلماء على الصحيحين وإجماعهم على صحتهما]

قال ابن الصلاح في معرض تقسيمه للصحيح: «هذه أمهات أقسامه، وأعلاها الأول، وهو الذي يقول فيه أهل الحديث كثيرًا: "صحيح متفق عليه". يطلقون ذلك ويعنون به: اتفاق البخاري ومسلم، لا اتفاق الأمة عليه، لكن اتفاق الأمة عليه لازم من ذلك وحاصل معه؛ لاتفاق الأمة على تلقي ما اتفقا عليه بالقبول.

وهذا القسم جميعه مقطوع بصحته، والعلم اليقيني النظري واقع به. خلافًا لقول من نفى ذلك؛ محتجا بأنه لا يفيد في أصله إلا الظن، وإنما تلقته الأمة بالقبول لأنه يجب عليهم العمل بالظن، والظن قد يخطئ.

وقد كنت أميل إلى هذا وأحسبه قويًا، ثم بان لي أن المذهب الذي اخترناه أولًا هو الصحيح؛ لأن ظن من هو معصوم من الخطأ لا يخطئ، والأمة في إجماعها معصومة من الخطأ، ولهذا كان الإجماع المنبني على الاجتهاد حجة مقطوعًا بها، وأكثر إجماعات العلماء كذلك.

وهذه نكتة نفيسة نافعة، ومن فوائدها: القول بأن ما انفرد به البخاري أو مسلم مندرج في قبيل ما يقطع بصحته؛ لتلقي الأمة كل واحد من كتابيهما بالقبول على الوجه الذي فصلناه من حالهما فيما سبق، سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ كالدارقطني وغيره، وهي معروفة عند أهل هذا الشأن» (١).

وقال ابن تيمية عن الحديث الصحيح: «إنه يفيد العلم، ويُجزم بأنه صدق؛ لأن الأمة تلقته بالقبول تصديقًا وعملًا بموجبه، والأمة لا تجتمع على ضلالة، فلو كان في نفس الأمر كذب لكانت الأمة قد اتفقت على تصديق الكذب والعمل به. وهذا لا يجوز عليها.

ومن الصحيح ما تلقاه بالقبول والتصديق أهل العلم بالحديث، كجمهور أحاديث البخاري ومسلم، فإن جميع أهل العلم بالحديث يجزمون بصحة جمهور أحاديث الكتابين، وسائر النَّاس تبع لهم في معرفة الحديث. فإجماع أهل العلم بالحديث على أن هذا الخبر صدق كإجماع الفقهاء على أن هذا الفعل حلال أو حرام أو واجب، وإذا أجمع أهل العلم على شيء فسائر الأمة تبع لهم، فإجماعهم معصوم لا يجوز أن يجمعوا على خطأ؛ حيث قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ) (٢)» (٣).


(١) مقدمة ابن الصلاح (ص:٢٨ - ٢٩).
(٢) عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي -أَوْ قَالَ: أُمَّةَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ضَلَالَةٍ). سنن الترمذي، أبواب الفتن، باب ما جاء في لزوم الجماعة (٤/ ٤٦٦)، رقم (٢١٦٧)، والمستدرك للحاكم، كتاب العلم (١/ ٢٠١)، رقم (٣٩٧). وقال الألباني: «صحيح». صحيح سنن الترمذي للألباني (٢/ ٤٥٨)، رقم (٢١٦٧).
(٣) علم الحديث لابن تيمية (ص:١٤).

<<  <   >  >>