للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال إمام الحرمين الجويني: «لو حلف انسان بطلاق امرأته أن ما في كتابي البخاري ومسلم مما حكما بصحته من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لما ألزمته الطلاق ولا حنثته؛ لإجماع علماء المسلمين على صحتها» (١).

وقال النووي: «اتفق العلماء - رحمهم الله - على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز: الصحيحان -البخاري ومسلم-، وتلقتهما الأمة بالقبول» (٢).

ولا يُفهم من هذا القول للنووي أنه يقارن الصحيحين بكتاب الله أو يجعلهما مثله، كما فهم ذلك صاحب الرسالة الذي سنرد عليه في هذا الفصل، وفهمه هذا هو فهم خاص به لم يسبقه إليه أحد من العلماء. فإن غاية ما في هذه العبارة: الجزم بصحة ما جاء في الكتابين إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كالجزم بأن ما بين دفتي المصحف هو كلام الله تعالى، وأنه لا يوجد كتاب بعد القرآن يُمكن أن يُستدل بما فيه كله غير هذين الكتابين.

وما فهمه صاحب الرسالة من عبارة النووي فهم عجيب، إما أن يكون الحامل له: التعصُّب أو الجهل بالأساليب العربية، وأحدهما أسوأ من الآخر.

على أن الإمام النووي قد سبقه إلى استخدام مثل هذه العبارة الإمام الشافعي، وهو أحد الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبعة، حيث قال في موطأ الإمام مالك: «ما أعلم شيئًا بعد كتاب الله أصح من "موطأ مالك"» (٣).

فهل أخطأ الإمام الشافعي هو الآخر في التعبير وسوَّى بين "الموطأ" وكتاب الله أو قارنه به؟

وما هو جواب صاحب الرسالة على الإمام الشافعي، وهو الذي شهد له الأئمة بفصاحة لسانه وبلاغة بيانه ومتانة أسلوبه؟


(١) شرح صحيح مسلم للنووي (١/ ١٩ - ٢٠).
(٢) المصدر السابق (١/ ١٤).
(٣) مناقب الشافعي للبيهقي (١/ ٥٠٧).
وقال مثله عبد الرحمن بن مهدي، فقد جاء عنه أنه قال: «ما نعرف كتابًا في الإسلام بعد كتاب الله - عز وجل - أصح من موطأ مالك». المجروحين من المحدثين لابن حبان (ص:٤٢).

<<  <   >  >>