للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وروى عنه الإسماعيلي أنه قال: «لم أخرج في هذا الكتاب إلَّا صحيحًا، وما تركت من الصحيح أكثر. قال الإسماعيلي: لأنه لو أخرج كل صحيح عنده لجمع في الباب الواحد حديث جماعة من الصحابة، ولذكر طريق كل واحد منهم إذا صحت، فيصير كتابًا كبيرًا جدًا» (١).

ولما انتهى من تأليفه عرضه على بعض الأئمة في هذا الشأن؛ ليأخذ برأيهم فيه، إن كان ثمّ خطأ فيصلحه أو لحن فيقومه أو حديث ضعيف فيطرحه. وهذا هو دأب العقلاء العارفين أن يشاوروا أصحاب الاختصاص الناصحين؛ فإنه قلّ أن يحيد الصواب عنهم. قال أبو جعفر العقيلي: «لما ألَّف البخاري كتاب الصحيح عرضه على أحمد ابن حنبل ويحيى بن معين وعلى بن المديني وغيرهم، فاستحسنوه وشهدوا له بالصحة إلَّا في أربعة أحاديث. قال العقيلي: والقول فيها قول البخاري، وهي صحيحة» (٢).

وأمَّا مسلم فقد مكث في تأليف صحيحه قريبًا من المدة التي استغرقها البخاري في تأليف صحيحه. ويدلُّ عليه: ما قاله أحمد بن سلمة: «كنت مع مسلم في تأليف صحيحه خمس عشرة سنة. قال: وهو اثنا عشر ألف حديث» (٣). قال الذهبي معقبًا عليه: «يعني: بالمكرر، بحيث إنه إذا قال: "حدّثنا قتيبة وأخبرنا ابن رمح" يعدان حديثين، اتفق لفظهما أو اختلف في كلمة» (٤).

وقال مسلم: «ما وضعت شيئًا في كتابي هذا إلا بحجة، وما أسقطت منه شيئًا إلا بحجة» (٥).

وقال أيضًا: «ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هاهنا إنما وضعت هاهنا ما أجمعوا عليه» (٦)، أي: وإن كان قد اختلف في صحة بعضه. وهذا جوابه كما قال النووي من وجهين: «أحدهما: أن مراده: أنه لم يضع فيه إلَّا ما وجد عنده فيه شروط الصحيح المجمع عليه وان لم يظهر اجتماعها في بعض الاحاديث عند بعضهم.

والثاني: أنه أراد: أنه لم يضع فيه ما اختلفت الثقات فيه في نفس الحديث متنًا أو إسنادًا، ولم يرد: ما كان اختلافهم إنما هو في توثيق بعض رواته. وهذا هو الظاهر من كلامه» (٧).

وقال مكي بن عبدان: «سمعت مسلمًا يقول: عرضت كتابي هذا المسند على أبي زرعة، فكل ما أشار عليَّ في هذا الكتاب أن له علة وسببًا تركته، وكل ما قال: إنه صحيح ليس له علة فهو الذي أخرجت. ولو أن أهل الحديث يكتبون الحديث مائتي سنة فمدارهم على هذا المسند» (٨).


(١) هدي الساري لابن حجر (ص:٥).
(٢) هدي الساري لابن حجر (ص:٥).
(٣) سير أعلام النبلاء للذهبي (١٢/ ٥٦٦)، ترجمة: مسلم أبو الحسين ابن الحجاج بن مسلم القشيري، رقم الترجمة (٢١٧)، في الطبقة: الرابعة عشرة.
(٤) نفس المصدر السابق.
(٥) الحطة في ذكر الصحاح الستة للقنوجي (ص:١٩٨).
(٦) صحيح مسلم (٣ - ٤/ ٣٤٣).
(٧) شرح صحيح مسلم للنووي (١/ ١٦).
(٨) سير أعلام النبلاء (١٢/ ٥٦٨)، ترجمة: مسلم أبو الحسين ابن الحجاج بن مسلم القشيري، رقم الترجمة (٢١٧)، في الطبقة: الرابعة عشرة.

<<  <   >  >>