للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رابعًا: أن قول صاحب الرسالة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنه عين الحضرة الوحدانية" هو نفسه الحلول والاتحاد الذي كانت تقول به وتعتقده كثير من فرق الكفر والضلالة، كـ: غلاة الرافضة، والرزامية، والمقنَّعية، والحلمانية، والحلَّاجية، وغيرهم. فإن هؤلاء يزعمون أن روح الإله حلَّت في أشخاص سمّوهم، وقالوا: إن وجود المحدثات هو عين وجود الخالق، ليس غيره ولا سواه (١).

وكان الحلَّاج ومن بعده ابن عربي والتلمساني وابن الفارض وابن سبعين يلهجون بذلك كثيرًا، حتى قال ابن عربي:

«العبد ربٌّ والرب عبدٌ ... يا ليت شعري من المكلَّف

إن قلتَ عبدٌ فذاك ربٌّ ... أو قلتَ ربٌّ أنى يكلَّف» (٢)

ومذهب هؤلاء لا يشك مسلم في كفره.

وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن ابن عربي وكتابه "فصوص الحكم"، فأجاب بما يلي: "ما تضمَّنه كتاب "فصوص الحكم" وما شاكله من الكلام فإنه كفر باطنًا وظاهرًا، وباطنه أقبح من ظاهره. وهذا يسمى: مذهب أهل الوحدة، وأهل الحلول، وأهل الاتحاد. وهم يسمون أنفسهم المحققين.

وهؤلاء نوعان: نوع يقول بذلك مطلقًا، كما هو مذهب صاحب "الفصوص" ابن عربي وأمثاله -مثل: ابن سبعين، وابن الفارض، والتلمساني، وأمثالهم- ممن يقول: إن وجود المخلوق هو وجود الخالق، وأن العارفين الذين يرون الحق في كل شيء، بل يرونه عين كل شيء" (٣). ثم ساق شيئًا من أقوالهم وأشعارهم في ذلك، ثم قال: «فأقوال هؤلاء ونحوها باطنها أعظم كفرًا وإلحادًا من ظاهرها ... ولهذا فإن كل من كان منهم أعرف بباطن المذهب وحقيقته كان أعظم كفرًا وفسقًا ... فكل من كان أخبر بباطن هذا المذهب ووافقهم عليه كان أظهر كفرًا وإلحادًا.

وأما النوع الثاني: فهو قول من يقول بالحلول والاتحاد في معيَّن، كالنصارى الذين قالوا بذلك في المسيح عيسى، والغالية الذين يقولون بذلك في علي بن أبي طالب وطائفة من أهل بيته» (٤)، وذكر أمثلة أخرى لذلك، ثم قال: «فهذا كله كفر باطنًا وظاهرًا بإجماع كل مسلم. ومن شك في كفر هؤلاء بعد معرفة قولهم ومعرفة دين الإسلام فهو كافر، كمن يشك في كفر اليهود والنصارى والمشركين» (٥).

والحمد لله رب العالمين.


(١) الفَرق بين الفِرق وبيان الفرقة الناجية لعبد القاهر البغدادي (ص:٢٤١)، ومعجم ألفاظ العقيدة لأبي عبد الله عامر عبد الله فالح (ص:١٨ - ١٩).
(٢) عقيدة المسلمين للبليهي (٢/ ٤٨٨).
(٣) مجموع الفتاوى لابن تيمية (٢/ ٣٦٤ - ٣٦٥). بتصرف.
(٤) المصدر السابق (٢/ ٣٦٥ - ٣٦٧).
(٥) المصدر السابق (٢/ ٣٦٨).

<<  <   >  >>