للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حد الرجم قد شرعه الله تعالى في آية كانت تتلى، ثم نسخ تلاوتها وأبقى حكمها، وهو لا يقول بذلك. وسبق الرد على هذه الشبهة.

وهذه الآية التي أنزلت في الرجم ثم نسخت تقول: (الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ نَكَالًا مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (١). أخرجه ابن حبان وغيره.

وقد كانت هذه الآية المنسوخة وآية الرضاعة مكتوبتين في صحيفة عند أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -، ثم دخلت داجن "شاة" بعد موت الرسول - صلى الله عليه وسلم - فأكلت الصحيفة، كما أخرج ذلك أحمد وابن ماجة وغيرهما (٢).

فشنع هذا الأفاك على هذا بشبهة متهافتة قائلًا: «ويقول تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)} [الحجر:٩].

فيقول أهل الحديث: بل أكل الداجن آية الرجم والرضاعة بعد موت الرسول».

ولا يزال المرء يعجب من جهل هذا المشكك، حتى في إيراده للشبه؛ وذلك أن الحفظ للقرآن الكريم ليس المراد منه حفظ ورقه الذي ربما لو وجدت الداجن المصحف كله لأكلته جميعًا، ولكن المراد بحفظه هو حفظه من التحريف والتبديل والتغيير والزيادة والنقصان كالذي حصل للكتب السابقة قبله. والله أعلم.


(١) بهذا اللفظ أخرجه في: مصنف عبد الرزاق، كتاب فضائل القرآن، باب تعاهد القرآن ونسيانه (٣/ ٣٦٥)، رقم (٥٩٩٠)، ومسند أحمد (٣٥/ ١٣٤)، رقم (٢١٢٠٧)، ومسند البزار (١/ ٤١٠)، رقم (٢٨٦)، والسنن الكبرى للنسائي، كتاب الرجم، نسخ الجلد عن الثيب (٦/ ٤٠٨)، رقم (٧١١٢)، وصحيح ابن حبان، كتاب الحدود، باب الزنى وحده (١٠/ ٢٧٤)، رقم (٤٤٢٩)، والمستدرك للحاكم، كتاب الحدود (٤/ ٤٠٠)، رقم (٨٠٦٨)، والسنن الكبرى للبيهقي، كتاب الحدود، باب ما يستدل به على أن السبيل هو جلد الزانيين ورجم الثيب (٨/ ٣٦٧)، رقم (١٦٩١١).
وقال الألباني: «صحيح». التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان للألباني (٦/ ٤٢٦)، رقم (٤٤١٢).
(٢) عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: (لَقَدْ نَزَلَتْ آيَةُ الرَّجْمِ وَرَضَاعَةُ الْكَبِيرِ عَشْرًا، وَلَقَدْ كَانَ فِي صَحِيفَةٍ تَحْتَ سَرِيرِي، فَلَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَتَشَاغَلْنَا بِمَوْتِهِ دَخَلَ دَاجِنٌ فَأَكَلَهَا). مسند أحمد (٤٣/ ٣٤٢ - ٣٤٣)، رقم (٢٦٣١٦)، وسنن ابن ماجة، كتاب النكاح، باب رضاع الكبير (١/ ٦٢٥)، رقم (١٩٤٤)، ومسند أبي يعلى الموصلي (٨/ ٦٤)، رقم (٤٥٨٨)، والمعجم الأوسط للطبراني (٨/ ١٢)، رقم (٧٨٠٥). وقال الألباني: «حسن». صحيح سنن ابن ماجة للألباني (٢/ ١٤٨)، رقم (١٥٩٣).
وجاء الحديث في الصحيح من دون ذكر الداجن للصحيفة، فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: (كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ). صحيح مسلم، كتاب الرضاع، باب التحريم بخمس رضعات (٢/ ١٠٧٥)، رقم (١٤٥٢).

<<  <   >  >>