للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأين نجد في هذا اللفظ: أن حواء أغوت آدم - عليهما السلام - بالأكل من الشجرة؟!

وإنما خاض شراح الحديث كالنووي وابن حجر في معنى: (وَلَوْلَا حَوَّاءُ لَمْ تَخُنَّ أُنْثَى زَوْجَهَا) فقالا: إن أمنا حواء دعت آدم وحرضته على الأكل من الشجرة -أي: شجعته على ذلك- بعد أن أغراهما إبليس بالأكل منها (١).

فهذا الذي نقله هذا المشكك ونسبه إلى السنة هو من كلام الشراح، وليس من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -.

ويحتمل في معنى خيانتها لآدم - عليه السلام - غير ذلك سوى الفاحشة (٢).

فلا يصح له أن يجعل كلام الشراح هذا على أنه من السنة، ونسبته ذلك إليها هو من الافتراء والكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) (٣). وحسبه ذلك.

ثالثًا: قوله: «أتكلم إبليس مع حواء أم أتكلم مع آدم كما ذكر القرآن؟ أم أن حواء هي التي تزعمت المعصية كما تقول السنة المزعومة»؟ يدل على جهله بالقرآن الذي أثبت كلام إبليس مع الأبوين - عليهما السلام - جميعًا، وأنه وسوس لهما ودلاهما بغرور جميعًا حتى أكلا من الشجرة، قال تعالى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (٢٠) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (٢١) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (٢٢)} [الأعراف:٢٠ - ٢٢].

والله أعلم.


(١) انظر: شرح صحيح مسلم للنووي (١٠/ ٥٩)، وفتح الباري لابن حجر (٦/ ٣٦٨).
(٢) قال ابن حجر: «وليس المراد بالخيانة هنا ارتكاب الفواحش، حاشا وكلا، ولكن لما مالت إلى شهوة النفس من أكل الشجرة وحسنت ذلك لآدم عد ذلك خيانة له، وأما من جاء بعدها من النساء فخيانة كل واحدة منهن بحسبها». فتح الباري لابن حجر (٦/ ٣٦٨)
(٣) صحيح البخاري، كتاب العلم، باب إثم من كذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - (١/ ٣٣)، رقم (١٠٧)، وصحيح مسلم، المقدمة، باب في التحذير من الكذب على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم (١/ ١٠)، رقم (٣).
وقد روى هذا الحديث أكثر من ستين نفسًا من الصحابة - رضي الله عنهم -. وانظر تخريجه في: صحيح الجامع الصغير وزيادته للألباني (٢/ ١١١١ - ١١١٢)، رقم (٦٥١٩).
والحديث قال عنه الألباني: «متواتر». صحيح الجامع الصغير وزيادته للألباني (٢/ ١١١١). وكذلك قال عنه الإمام النووي: «متواتر». التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث للنووي (ص:٨٦)

<<  <   >  >>