للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يذكر أي دليل لا من القرآن ولا من اللغة على التفريق بينهما.

ولأن بضاعته في ذلك مزجاة فيُتأكد أن الحامل له على ذلك هو: استعمال الحديث للفظ البر بالوالدين وعدم استعماله لفظ الإحسان إليهما، وهو ينكر السنة ويدعي مناقضتها للقرآن. فهذه هي القضية بعينها.

وهذا الاستعمال النبوي ورد في حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - في "صحيح البخاري" وغيره، فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: (سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا. قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: ثُمَّ بِرُّ الوَالِدَيْنِ. قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) (١).

ثانيًا: قوله: «إن البر موكول بالقرآن (٢) للأبوين» أي: أن الأب هو الذي يبر بابنه. ولم أجد في القرآن ذلك حسب علمي، وليأت بالآية الدالة على ذلك إن كان من الصادقين. فإني أكاد أجزم أنه لا توجد آية تدل على ما ذهب إليه. وإنما في القرآن الوصية بالأولاد، قال تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء:١١].

ثالثًا: قال: «يبدو أن السادة الفقهاء لم يميزوا بين حقوق الوالدين وحقوق الأبوين». ولم يذكر الفرق بين حقوقهما؛ لأن مهمته هي التشكيك لا غير، وليس الحق ولا العلم.

ولا شك أن هناك فرقًا بين الوالد والأب، فالوالد يطلق على: من ولدتَ من صلبه، بخلاف الأب، فإنه يطلق على: الوالد وعلى الجد الأدنى فما فوقه إلى أبينا آدم - عليه السلام -.

وقد يستعمل لفظ الأب على من ولدتَ من صلبه، كقوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء:١١].

وكل من الأب والوالد له حق في الإسلام، لكن الأب الذي ولدتَ من صلبه أعظم حقًا ممن هو أعلى منه، وهو المراد بالبر والإحسان إليه في النصوص في المقام الأول.

والله أعلم.


(١) صحيح البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل الصلاة لوقتها (١/ ١١٢)، رقم (٥٢٧)، وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال (١/ ٩٠)، رقم (٨٥).
(٢) كذا في المنشور.

<<  <   >  >>