للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويزداد الأمر قبحًا وسوءًا إذا كان دافعه إلى ذلك هو الانحراف الفكري والعقدي. عافانا الله وإياكم من ذلك.

ثالثًا: إن تبويب هؤلاء الأئمة على هذا الحديث يدل على أنه سيق للتهديد والتشديد في ترك الجماعة، ولبيان حكمها، وهو الوجوب عند من يرى ذلك، وأن ظاهره غير مراد قطعًا بغير خلاف بين العلماء:

١ - فالبخاري أورده في باب وجوب صلاة الجماعة (١).

٢ - ومسلم في باب فضل صلاة الجماعة (٢).

٣ - وابن ماجة في: باب التغليظ في التخلف عن الجماعة (٣).

٤ - وأبو داود في: باب في التشديد في ترك الجماعة (٤).

٥ - والترمذي في: باب ما جاء فيمن سمع النداء فلا يجيب (٥).

٦ - والنسائي في: التشديد في التخلف عن الجماعة (٦).

رابعًا: مما يدل على أن ظاهر هذا الحديث غير مراد وأنه سيق للتغليظ والتهديد: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه: (لقد هممت). والهم هو خاطر، وليس فعلًا، أي: أنه خطر على قلبه أن يفعل ذلك، ولم يفعله - صلى الله عليه وسلم -.

ومنعه من ذلك:

١ - كونه - صلى الله عليه وسلم - رحيمًا بأمته، وليس فظًا ولا غليظًا عليهم، ولا جافٍ لهم.

٢ - أنه - صلى الله عليه وسلم - قد نهى أن يعذب أحد بالنار، كما جاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ) (٧)، أي: بالنار.

ولكون الهم ليس فعلًا فإن الله تعالى لا يؤاخذ عليه، ففي الحديث القدسي في الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (قَالَ اللهُ - عز وجل - ... وَإِذَا هَمَّ بِسَيِّئَةٍ وَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ أَكْتُبْهَا عَلَيْهِ، فَإِنْ عَمِلَهَا كَتَبْتُهَا سَيِّئَةً وَاحِدَةً) (٨).

والله أعلم.


(١) صحيح البخاري (١/ ١٣١).
(٢) صحيح مسلم (١/ ٤٥١).
(٣) سنن ابن ماجة (١/ ٢٥٩).
(٤) سنن أبي داود (١/ ١٥٠).
(٥) سنن الترمذي (١/ ٤٢٣).
(٦) سنن النسائي (٢/ ١٠٧).
(٧) صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب لا يعذب بعذاب الله (٤/ ٦١)، رقم (٣٠١٧).
(٨) صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب من هم بحسنة أو بسيئة (٨/ ١٠٣)، رقم (٦٤٩١)، وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب إذا هم العبد بحسنة كتبت وإذا هم بسيئة لم تكتب (١/ ١١٧)، رقم (١٢٨). وهو في صحيح البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنهما -.

<<  <   >  >>