للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والجواب:

أولًا: إن هذا المشكك للأسف لا يعرف الفرق بين: "التدليس" و"المبهم" و"المجهول".

ولا يعرف الفرق بين: "الإبهام في السند" و"الإبهام في المتن".

وهذه إحدى الرزايا التي أصيبت بها الأمة، وأخبرنا عنها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا) (١).

وجاء في إخباره - صلى الله عليه وسلم - عن الفتن وأشراط الساعة من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ العِلْمُ وَيَكْثُرَ الجَهْلُ) (٢)، أي: الجهال. وما أكثر الجهل في كلام هذا المشكك! وهذا منه.

ثانيًا: التدليس إذا كان يقصد به المعنى الاصطلاحي عند علماء الحديث فليس معناه ما ذكره، وإن كان يقصد به المعنى اللغوي أو الفقهي وهو: "كتمان عيب السلعة عن المشتري" -أي: أن البخاري كتم عن الناس شيئًا من العلم في الأسانيد أو المتون فلم يظهرها لهم- فليس بصحيح. ولو كان في "صحيح البخاري" شيء من ذلك لبينه العلماء السابقون.

ولكونه لم يسبقه أحد إلى مثل هذا الاتهام فهذا يدل على أنه هو المدلس، لا البخاري الذي أجمعت الأمة على ثقته وإمامته وصحة كتابه.

ثالثًا: المجهول هو: من عرف اسمه لكن لم تعرف عينه أو صفته، بخلاف المبهم، فإنه: الذي لم يصرح باسمه في الحديث.

فإن كان الإبهام في الإسناد فلا يقبل؛ لأنه أشد جهالة من المجهول، وإن كان في المتن فلا يضر، بلا خلاف بين العلماء؛ لأنه لا يترتب على معرفته كبير فائدة، وقد يكون من الأولى عدم معرفته؛ سترًا عليه، كما أمر الشرع.

رابعًا: قوله: "إن البخاري دلس في صحيحه فذكر فيه: عن فلان ولم يسمه" لقد تتبعت أنا المواضع التي أشار إليها عن طريق البحث الإلكتروني والبحث العادي، ولم أجد أنه قال في الإسناد: "عن فلان" إلا في موضع واحد فقط في كتابه، وهو في: كتاب استتابة المرتدين وقتالهم، باب ما جاء في المتأولين، حديث رقم (٦٩٣٩)، فقد قال: «حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة عن حصين عن فلان قال: (تَنَازَعَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَحِبَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ) (٣)»، الحديث في قصة حاطب بن أبي بلتعة - رضي الله عنه - وكتابه إلى المشركين يوم الفتح.


(١) صحيح البخاري، كتاب العلم، باب كيف يقبض العلم (١/ ٣٢)، رقم (١٠٠)، وصحيح مسلم، كتاب العلم، باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان (٤/ ٢٠٥٨)، رقم (٢٦٧٣).
(٢) صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب يقل الرجال ويكثر النساء (٧/ ٣٧)، رقم (٥٢٣١).
(٣) صحيح البخاري، كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب ما جاء في المتأولين (٩/ ١٨)، رقم (٦٩٣٩).

<<  <   >  >>