للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانيًا: ويضاف إلى ذلك: أن هذا الحديث لم يذكره أحد ضمن الأحاديث المنتقدة على الشيخين، لا الدارقطني من قبل ولا أبو مسعود الدمشقي من بعد، ولا غيرهما ممن تكلم على أحاديثهما.

ثالثًا: قول صاحب الرسالة: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهم لما عادوا يسألونه: هل يأتونه بالدواة والكتف: «(ولكني أوصيكم بأهل بيتي خيرًا)» هذه اللفظة دسَّها -صاحب الرسالة- في الحديث، ولم ترد في أي طريق من طرقه، لا في الصحيحين ولا في غيرهما. وإني أتحداه أن يذكر مرجعًا معتمدًا من كتب السُّنَّة يبيِّن فيه اسم الكتاب والباب الذي وردت فيه هذه اللفظة. وهيهات هيهات له ذلك! اللهم إلا في نهج الكذب الذي هو أصح عندهم من "صحيح البخاري" فيُحتمل.

ولم أكن أتوقع من دعيّ العلم هذا أن يصل به الحال إلى أن يكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وينسب إليه شيئًا لم يقله. أفلا يخشى هذا المتجرئ من توعّد النبي - صلى الله عليه وسلم - من يفعل ذلك متعمدًا بالنَّار، كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) (١).

وفي لفظ: عن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (مَنْ يَقُلْ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) (٢).

والحديث متفق عليه، وهو حديث متواتر، أي: أنه يفيد القطع بحرمة الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - عمدًا، وهذا ما حمل أبا محمد الجويني والد إمام الحرمين أبي المعالي على تكفير من يتعمَّد الكذب عليه - صلى الله عليه وسلم - (٣).

ولا يبعد عندي بعد أن قرأت الرسالة المذكورة أن يكون صاحبها متشبعًا بفكر الرافضة وإن لم يكن على خطِّهم تمامًا، فإنه يقول بالكثير مما يقولونه ويردده، مما يدلُّ على أنهم يردون موردًا واحدًا، ويصدرون عنه جميعًا.


(١) صحيح البخاري وصحيح مسلم. وقد تقدم. وتقدم هناك قول النووي والألباني: إنه متواتر.
(٢) صحيح البخاري، كتاب العلم، باب إثم من كذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - (١/ ٣٣)، رقم (١٠٩).
(٣) شرح صحيح مسلم للنووي (١/ ٦٩).

<<  <   >  >>