للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانيًا: أن السحر ليس فقط كما يقول: "عبارة عن تسليط أرواح شيطانية سفلية على المسحور"، وإنما هو إضافة إلى ذلك:

- منه ما يقع بخداع وتخييلات لا حقيقة لها، نحو ما يفعله المشعوذ من صرف الأبصار عما يتعاطاه بخفة يده.

- منه ما يحصل بمخاطبة الكواكب واستنزال روحانيتها بزعم السحرة (١).

وذكر ابن القيم: أن السحر نوعان: نوع مركب من تأثيرات الأرواح الخبيثة، وآخر -وهو أشد ما يكون من السحر-: انفعال القوى الطبيعية عنها (٢).

وهذا النوع الأخير هو الذي أصيب به النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد كان السحر متسلطًا على جسده وجوارحه الظاهرة فقط. قال القاضي عياض: «اعلم -وفقنا الله وإياك- أن هذا الحديث صحيح متفق عليه، وقد طعنت فيه الملحدة وتذرعت به؛ لِسُخْفِ عقولها وتلبيسها على أمثالها إلى التشكيك في الشرع. وقد نزَّه الله الشرع والنبي عما يدخل في أمره لبْسًا، وإنما السحر مرض من الأمراض وعارض من العلل يجوز عليه كأنواع الأمراض مما لا يُنكر ولا يقدح في نبوته.

وأما ما ورد من أنه: (كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلُ الشَّيْءَ وَلَا يَفْعَلُهُ) (٣) فليس في هذا ما يدخل عليه داخلة في شيء من تبليغه أو شريعته، أو يقدح في صدقه؛ لقيام الدليل والإجماع على عصمته من هذا.

وإنما هذا فيما يجوز طروّه عليه في أمر دنياه التي لم يبعث بسببها ولا فُضِّلَ من أجلها، وهو فيها عُرضة للآفات كسائر البشر. فغير بعيد أن يُخَيَّلَ إليه من أمورها ما لا حقيقة له ثم ينجلي عنه كما كان» (٤). إلى أن قال: «فقد استبان لك -من مضمون هذه الروايات (٥) -: أن السحر إنما تَسَلَّطَ على ظاهره وجوارحه، لا على قلبه واعتقاده وعقله» (٦).


(١) فتح الباري لابن حجر (١٠/ ٢٢٢).
(٢) زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم (٤/ ١٢٥).
(٣) صحيح البخاري وصحيح مسلم. وقد تقدم.
(٤) الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض (٢/ ٤١١ - ٤١٢).
(٥) وهي الروايات التي ذكرها في قصة سحر النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(٦) الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض (٢/ ٤١٥).

<<  <   >  >>