للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فمنهم من قال: جعل الله له بما افترض من طاعته وسبق في علمه من توفيقه لرضاه أن يسنّ فيما ليس فيه نص كتاب.

ومنهم من قال: لم يسنّ سُنّة قط إلا ولها أصل في الكتاب، كما كانت سنته لتبيين عدد الصلاة وعملها على أصل جملة فرض الصلاة، وكذلك ما سنّ من البيوع وغيرها من الشرائع؛ لأن الله قال: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء:٢٩]، وقال: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة:٢٧٥]. فما أحل وحرم فإنما بيّن فيه عن الله، كما بين الصلاة.

ومنهم من قال: بل جاءته به رسالة الله، فأَثبتت سنته.

ومنهم من قال: أُلقي في روعه كل ما سنّ، وسنته: "الحكمة" الذي ألقي في روعه عن الله، فكان ما أُلقي في روعه سنته» (١).

وقد علق الدكتور مصطفى السباعي على هذا الخلاف الذي ذكره الإمام الشافعي بعد أن ذكر حجج الفريقين بقوله: «ويتلخص الموقف بين الفريقين في: أنهما متفقان على وجود أحكام جديدة في السنة لم ترد في القران نصًا ولا صراحة.

فالفريق الأول يقول: إن هذا هو الاستقلال في التشريع؛ لأنه إثبات أحكام لم ترد في الكتاب.

والفريق الثاني -مع تسليمه بعدم ورودها بنصها في القران- يرى: أنها داخلة تحت نصوصه بوجه من الوجوه -التي ستذكر فيما بعد-. وعلى هذا فهم يقولون: إنه لا يوجد حديث صحيح يثبت حكمًا غير وارد في القران إلا وهو داخل تحت نص أو قاعدة من قواعده، فإن وجد حديث ليس كذلك كان دليلًا على أنه غير صحيح ولا يصح أن يعمل به.

وأنت ترى أن الخلاف لفظي، وأن كلًا منهما يعترف بوجود أحكام في السنة لم تثبت في القران، ولكن أحدهما لا يسمي ذلك: "استقلالًا"، والآخر يسميه. والنتيجة واحدة» (٢).


(١) الرسالة للشافعي (ص:٩١ - ٩٣).
(٢) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي لمصطفى بن حسني السباعي (ص:٣٨٥).

<<  <   >  >>