وَهِيَ أَقْوَالٌ) فَعَلَى أَوَّلِهَا يَحْتَاجُ الْمُمْكِنُ فِي بَقَائِهِ إلَى الْمُؤَثِّرِ لِأَنَّ الْإِمْكَانَ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ وَعَلَى جَمِيعِ بَاقِيهَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ.
لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ عَلَى ذَلِكَ فِي الْخُرُوجِ مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ لَا فِي الْبَقَاءِ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِذِكْرِ هَذَا الْبِنَاءِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الصَّحَائِفِ مَعَ إطْلَاقِ الْأَقْوَالِ وَتَقْدِيمِ الْإِمْكَانِ مِنْهَا إلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي تَرْجِيحُ الْإِمْكَانِ الَّذِي هُوَ قَوْلُ الْحُكَمَاءِ وَبَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَإِنْ كَانَ جُمْهُورُهُمْ عَلَى الْحُدُوثِ حَتَّى لَا يُخَالِفَ التَّصْحِيحُ فِي الْمَبْنَى التَّصْحِيحَ فِي الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ لَكِنْ دُفِعَتْ الْمُخَالَفَةُ بِمَا قَالُوا مِنْ أَنَّ شَرْطَ بَقَاءِ الْجَوْهَرِ الْعَرَضُ وَالْعَرَضُ لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ فَيَحْتَاجُ فِي كُلِّ زَمَانٍ إلَى الْمُؤَثِّرِ
(وَالْمَكَانُ) الَّذِي لَا خَفَاءَ فِي أَنَّ الْجِسْمَ يَنْتَقِلُ عَنْهُ وَإِلَيْهِ وَيَسْكُنُ فِيهِ فَيُلَاقِيهِ وَلَا بُدَّ بِالْمُمَاسَّةِ أَوْ النُّفُوذِ كَمَا سَيَأْتِي اُخْتُلِفَ فِي مَاهِيَّتِهِ (قِيلَ) هُوَ السَّطْحُ الْبَاطِنُ لِلْحَاوِي الْمُمَاسُّ (لِلسَّطْحِ الظَّاهِرِ مِنْ الْمَحْوِيِّ)
ــ
[حاشية العطار]
الْقَاصِرِينَ بِتَغَيُّرِ الْعِبَارَاتِ اهـ. كَلَامُهُ. وَهَذَا مَطْلَبٌ نَفِيسٌ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ فَجَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا.
(قَوْلُهُ: وَهِيَ أَقْوَالٌ) أَيْ أَرْبَعَةٌ وَبَقِيَ احْتِمَالٌ خَامِسٌ عَقْلِيٌّ وَهُوَ الْحُدُوثُ بِشَرْطِ الْإِمْكَانِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ؛ لِأَنَّ الْحَادِثَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُمْكِنًا فَهَذَا الشَّرْطُ لَاغٍ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ (قَوْلُهُ: الْمَأْخُوذِ مِنْ الصَّحَائِفِ) اسْمُ كِتَابٍ لِلسَّمَرْقَنْدِيِّ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ عَلَى نَمَطِ الْمَوَاقِفِ وَالْمَقَاصِدِ وَهُوَ جَلِيلُ الْقَدْرِ (قَوْلُهُ: مَعَ إطْلَاقِ الْأَقْوَالِ) أَيْ عَنْ التَّرْجِيحِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ دُفِعَتْ الْمُخَالَفَةُ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْأَشْعَرِيَّةَ لَمَّا اشْتَرَطُوا فِي بَقَاءِ الْجَوْهَرِ الْعَرَضَ وَالْعَرَضُ لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ لَزِمَ الِاحْتِيَاجُ فِي كُلِّ زَمَانٍ إلَى الْمُؤَثِّرِ سَوَاءٌ جَعَلْنَا الْعِلَّةَ الْحُدُوثَ أَوْ هُوَ مَعَ الْإِمْكَانِ شَرْطًا أَوْ شَطْرًا قَالَ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ التَّجْرِيدِ مَنْ قَالَ عِلَّةُ حَاجَةِ الْمُمْكِنِ إلَى الْمُؤَثِّرِ هِيَ الْحُدُوثُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْإِمْكَانِ قَالَ الْعِلَّةُ الْإِمْكَانُ بِشَرْطِ الْحُدُوثِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَكُونَ الْمُمْكِنُ حَالَ بَقَائِهِ مُسْتَغْنِيًا عَنْ الْمُؤَثِّرِ إذْ لَا حُدُوثَ حَالَ الْبَقَاءِ فَلَا حَاجَةَ وَقَدْ الْتَزَمَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ وَتَمَسَّكُوا بِبَقَاءِ الْبِنَاءِ حَالَ فَنَاءِ الْبِنَاءِ وَقَالُوا إنَّ الْعَالَمَ مُحْتَاجٌ إلَى الصَّانِعِ فِي أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ وَبَعْدَ أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهِ لَمْ يَبْقَ لَهُ حَاجَةٌ إلَيْهِ حَتَّى لَوْ جَازَ الْعَدَمُ عَلَى الصَّانِعِ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا لَمَا ضَرَّ الْعَالَمَ، وَلَمَّا كَانَ هَذَا أَمْرًا شَنِيعًا قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّ الْأَعْرَاضَ غَيْرُ بَاقِيَةٍ بَلْ هِيَ مُتَّحِدَةٌ دَائِمًا إمَّا بِتَعَاقُبِ الْأَمْثَالِ وَإِمَّا بِتَوَارُدِ الْوُجُودِ عَلَى عَدَمٍ بِعَيْنِهِ فَهِيَ مُحْتَاجَةٌ إلَى الصَّانِعِ احْتِيَاجًا مُسْتَمِرًّا وَأَمَّا الْجَوَاهِرُ أَعْنِي الْأَجْسَامَ وَمَا تَتَرَكَّبُ هِيَ مِنْهَا أَعْنِي الْجَوَاهِرَ الْفَرْدَةَ فَيَسْتَحِيلُ خُلُوُّهَا عَنْ الْأَكْوَانِ الْمُتَجَدِّدَةِ الْمُحْتَاجَةِ إلَى الصَّانِعِ فَهِيَ أَيْضًا مُحْتَاجَةٌ إلَيْهِ دَائِمًا وَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْإِمْكَانُ وَحْدَهُ فَذَهَبُوا إلَى أَنَّ الْمُمْكِنَ الْبَاقِيَ مُحْتَاجٌ إلَى الْمُؤَثِّرِ حَالَ الْبَقَاءِ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ حَاجَتِهِ إلَى الْمُؤَثِّرِ هُوَ الْإِمْكَانُ.
(قَوْلُهُ: وَالْمَكَانُ إلَخْ) هُوَ لُغَةً مَا وُجِدَ فِيهِ سُكُونٌ أَوْ حَرَكَةٌ نَقَلَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَنْ ابْنِ جِنِّي (قَوْلُهُ: بِالْمُمَاسَّةِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يُلَاقِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ السَّطْحُ وَقَوْلُهُ أَوْ النُّفُوذِ أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ بُعْدٌ مَوْجُودٌ أَوْ مَوْهُومٌ وَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ بِهَذَا إلَى دَلِيلِ وُجُودِ الْمَكَانِ وَحَاصِلُهُ أَنْ تَقُولَ الْمَكَانُ مَوْجُودٌ؛ لِأَنَّهُ مُشَارٌ إلَيْهِ وَمَقْصِدٌ لِلْمُتَحَرِّكِ وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ مَوْجُودٌ وَهُوَ لَا يَكُونُ جُزْءًا لِلْجِسْمِ وَلَا حَالًّا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْكُنُ فِيهِ الْجِسْمُ وَيَنْتَقِلُ بِالْحَرَكَةِ عَنْهُ وَإِلَيْهِ وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ جُزْءًا لِلْجِسْمِ وَلَا حَالًّا فِيهِ فَهُوَ إمَّا السَّطْحُ أَوْ الْبُعْدُ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: قِيلَ هُوَ السَّطْحُ إلَخْ) إلَيْهِ ذَهَبَ أرسطاطاليس وَمَنْ تَبِعَهُ وَالْفَارَابِيُّ وَابْنُ سِينَا وَهُوَ التَّحْقِيقُ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ تَقْدِيمِهِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ بَعْدَهُ، وَأُورِدَ عَلَيْهِ لُزُومُ التَّسَلْسُلِ فِي الْأَجْسَامِ كُلِّهَا لَاحْتَاجَ الْجِسْمُ الْحَاوِي إلَى مَكَان آخَرَ؛ لِأَنَّ كُلَّ جِسْمٍ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ لَهُ مَكَانٌ وَهَكَذَا.
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِمَنْعِ لُزُومِ التَّسَلْسُلِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ لَوْ لَمْ يَنْتَهِ الْجِسْمُ إلَى جِسْمٍ لَيْسَ لَهُ مَكَانٌ وَهُوَ مُحَالٌ فَإِنَّ الْفَلَكَ الْأَعْظَمَ لَيْسَ لَهُ مَكَانٌ بَلْ لَهُ وَضْعٌ فَقَطْ وَأَيْضًا لَوْ كَانَ الْمَكَانُ هُوَ السَّطْحُ الْمَذْكُورُ لَمَا كَانَ الْحَجَرُ الْوَاقِفُ فِي الْمَاءِ الْجَارِي سَاكِنًا وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالْمُشَاهَدَةِ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الْمَكَانَ لَوْ كَانَ هُوَ السَّطْحُ الْمَذْكُورُ لَكَانَتْ الْحَرَكَةُ عِبَارَةً عَنْ مُفَارَقَةِ سَطْحٍ مُتَوَجِّهًا نَحْوَ سَطْحٍ آخَرَ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا كَانَ سَاكِنًا فَثَبَتَتْ الْمُلَازَمَةُ.
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِمَنْعِ أَنَّ الْحَرَكَةَ عِبَارَةٌ عَنْ مُجَرَّدِ مُفَارَقَةِ السَّطْحِ الْمَذْكُورِ بَلْ عَنْ ذَلِكَ مَعَ تَوَجُّهِ الْمُتَحَرِّكِ نَحْوَ السَّطْحِ الْآخَرِ وَالتَّوَجُّهُ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ، وَالْحَجَرُ الْوَاقِفُ فِي الْمَاءِ فَإِنَّ التَّوَجُّهَ فِي الْمَاءِ لَا لِلْحَجَرِ (قَوْلُهُ: كَالسَّطْحِ