للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْخَلَاءُ جَائِزٌ (وَالْمُرَادُ مِنْهُ كَوْنُ الْجِسْمَيْنِ لَا يَتَمَاسَّانِ وَلَا) يَكُونُ (بَيْنَهُمَا مَا يُمَاسُّهُمَا) فَهَذَا الْكَوْنُ الْجَائِزُ هُوَ الْخَلَاءُ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْبُعْدِ الْمَفْرُوضِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْمَكَانِ فَيَكُونُ خَالِيًا عَنْ الشَّاغِلِ هَذَا قَوْلُ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْقَوْلَانِ قَبْلَهُ لِلْحُكَمَاءِ وَمَنَعُوا الْخَلَاءَ أَيْ خُلُوَّ الْمَكَانِ بِمَعْنَاهُ عِنْدَهُمْ عَنْ الشَّاغِلِ إلَّا بَعْضَ قَائِلِي الثَّانِي فَجَوَّزُوهُ.

ــ

[حاشية العطار]

كَوْنِ الْمَعْدُومِ مَحْصُورًا مُنْقَسِمًا وَأَمَّا الْخَلَاءُ بِمَعْنَى النَّفْيِ الْمَحْضِ فِيمَا وَرَاءَ الْأَجْسَامِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ وَلَا انْحِصَارَ هُنَاكَ وَلَا امْتِيَازَ أَصْلًا إلَّا بِحَسَبِ الْوَهْمِ فِي غَيْرِ الْمَحْسُوسِ وَحُكْمُهُ فِيهِ غَيْرُ مَقْبُولٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ هُنَاكَ حَرَكَةٌ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى اسْتِمَالَتِهِ اهـ.

وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ الْقَائِلَ بِالْخَلَاءِ جَمِيعُ مَنْ يَقُولُ بِالْبُعْدِ الْمَوْهُومِ وَهُمْ الْمُتَكَلِّمُونَ وَبَعْضٌ مِنْ الْقَائِلِينَ بِالْبُعْدِ الْمَوْجُودِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي شَرْحِ الطَّوَالِعِ أَيْضًا قَالَ فَعَلَى الْمَذْهَبَيْنِ يَعْنِي مَذْهَبَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَمَذْهَبَ أَفْلَاطُونَ الْمَكَانُ عِبَارَةٌ عَنْ الْخَلَاءِ لَكِنَّ الْخَلَاءَ عَلَى مَذْهَبِ أَفْلَاطُونَ أَمْرٌ مَوْجُودٌ وَعَلَى مَذْهَبِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَمْرٌ عَدَمِيٌّ اهـ.

وَقَدْ نَبَّهَ الشَّارِحُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ بَعْدُ إلَّا بَعْضَ قَائِلٍ بِالثَّانِي فَجَوَّزَهُ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ مِنْهُ كَوْنُ الْجِسْمَيْنِ) هَذِهِ عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَقَاصِدِ وَلَا يَخْلُو مَا فِيهَا مِنْ الْمُسَامَحَةِ فَإِنَّ الْخَلَاءَ هُوَ مَا بَيْنَ الْجِسْمَيْنِ لَا الْكَوْنُ الْمَذْكُورُ وَيَدُلُّ لَهُ عِبَارَةُ السَّيِّدِ السَّابِقَةُ وَقَدْ تَبِعَ الشَّارِحُ الْمُصَنِّفَ فِي ارْتِكَابِ التَّسَامُحِ بِقَوْلِهِ فَهَذَا الْكَوْنُ الْجَائِزُ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ بِصَدَدِ شَرْحِ كَلَامِهِ وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ لِسُهُولَةِ مِثْلِهِ.

(قَوْلُهُ: وَمَنَعُوا الْخَلَاءَ) وَضَمِيرُهُ يَعُودُ لِلْحُكَمَاءِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُجَوِّزَ لِلْخَلَاءِ جَمِيعُ مَنْ قَالَ بِالْفَرَاغِ الْمَوْهُومِ وَبَعْضٌ مِمَّنْ قَالَ بِالْبُعْدِ الْمَوْجُودِ الْقَائِلُ بِالِامْتِنَاعِ أَرْبَابُ السَّطْحِ وَبَعْضٌ مِمَّنْ يَقُولُ بِالْبُعْدِ الْمُجَرَّدِ وَلِكُلٍّ مِنْ الْمُجَوِّزِينَ وَالْحَاكِمِينَ بِالِامْتِنَاعِ أَدِلَّةٌ فَمِنْ الْمُجَوِّزِ أَنَّا لَوْ فَرَضْنَا صَفْحَةً مَلْسَاءَ فَوْقَ أُخْرَى مِثْلِهَا بِحَيْثُ يَتَمَاسُّ سَطْحَاهُمَا الْمُسْتَوِيَانِ وَلَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا جِسْمٌ أَصْلًا وَرَفَعْنَا إحْدَاهُمَا عَنْ الْأُخْرَى رَفْعَةً فَفِي أَوَّلِ زَمَانِ الِارْتِفَاعِ يَلْزَمُ خُلُوُّ الْوَسَطِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ إنَّمَا يَمْتَلِئُ بِالْهَوَاءِ الْوَاصِلِ إلَيْهِ مِنْ الْخَارِجِ بَعْدَ الْمُرُورِ بِالْأَطْرَافِ وَمِنْهَا أَنَّ الْقَارُورَةَ إذَا مَضَتْ جِدًّا بِحَيْثُ خَرَجَ مَا فِيهَا مِنْ الْهَوَاءِ ثُمَّ كُبَّتْ عَلَى الْمَاءِ تَصَاعَدَ عَلَيْهَا الْمَاءُ وَلَوْ لَمْ تَصِرْ خَالِيَةً بَلْ فِيهَا مَلَاءٌ لَمَا دَخَلَهَا مَاءٌ كَحَالِهَا قَبْلَ الْمَصِّ وَمِنْ أَدِلَّةِ الْمَانِعِ أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ الْخَلَاءُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ زَمَانُ الْحَرَكَةِ مَعَ الْمُعَاوِقِ مُسَاوِيًا لِزَمَانِ تِلْكَ الْحَرَكَةِ بِدُونِ الْمُعَاوِقِ.

وَاللَّازِمُ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ، بَيَانُ اللُّزُومِ أَنَّا نَفْرِضُ حَرَكَةَ جِسْمٍ فِي فَرْسَخٍ مِنْ الْخَلَاءِ وَلَا مَحَالَةَ تَكُونُ فِي زَمَانٍ وَلْنَفْرِضْهُ سَاعَةً ثُمَّ نَفْرِضْ حَرَكَةَ ذَلِكَ الْجِسْمِ بِتِلْكَ الْقُوَّةِ بِعَيْنِهَا فِي فَرْسَخٍ مِنْ الْمَلَاءِ وَلَا مَحَالَةَ يَكُونُ فِي زَمَانٍ أَكْثَرَ لِوُجُودِ الْعَائِقِ وَلْنَفْرِضْهُ سَاعَتَيْنِ ثُمَّ نَفْرِضْ حَرَكَتَهُ بِتِلْكَ الْقُوَّةِ فِي مَلَاءٍ أَرَقَّ مِنْ الْمَلَاءِ الْأَوَّلِ عَلَى نِسْبَةِ زَمَانِ الْحَرَكَةِ فِي الْخَلَاءِ إلَى زَمَانِ حَرَكَةِ الْمَلَاءِ الْأَوَّلِ أَيْ يَكُونُ قِوَامُهُ نِصْفُ قِوَامِ الْأَوَّلِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ زَمَانُ الْحَرَكَةِ فِي الْمَلَاءِ الْأَرَقِّ سَاعَةً ضَرُورَةَ أَنَّهُ إذَا اتَّحَدَتْ الْمَسَافَةُ وَالْمُتَحَرِّكُ وَالْقُوَّةُ الْمُحَرِّكَةُ لَمْ تَكُنْ السُّرْعَةُ وَالْبُطْءُ أَعْنِي قِلَّةَ الزَّمَانِ وَكَثْرَتِهِ إلَّا بِحَسَبِ قِلَّةِ الْمُعَاوِقِ وَكَثْرَتِهِ فَيَلْزَمُ تَسَاوِي حَرَكَةِ ذِي الْمُعَاوِقِ أَعْنِي الَّتِي فِي الْمَلَاءِ الْأَرَقِّ وَزَمَانِ حَرَكَةِ عَدِيمِ الْمُعَاوِقِ أَعْنِي الَّتِي فِي الْخَلَاءِ مِنْهَا لَوْ وُجِدَ الْخَلَاءُ لَزِمَ انْتِفَاءُ أُمُورٍ نُشَاهِدُهَا وَنَحْكُمُ بِوُجُودِهَا قَطْعًا كَارْتِفَاعِ اللَّحْمِ فِي الْمِحْجَمَةِ عِنْدَ الْمَصِّ فَإِنَّهُ لَمَّا انْجَذَبَ الْهَوَاءُ بِالْمَصِّ تَبِعَهُ اللَّحْمُ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْخَلَاءُ وَمِنْهَا ارْتِفَاعُ الْمَاءِ فِي الْأُنْبُوبَةِ إذَا أُدْخِلَ أَحَدُ طَرَفَيْهَا فِي الْمَاءِ وَمُصَّ الطَّرَفُ الْآخَرُ وَمِنْهَا أَنَّ الْإِنَاءَ الضَّيِّقَ الرَّأْسِ الَّذِي فِي أَسْفَلِهِ ثُقْبٌ صَغِيرَةٌ إذَا مُلِئَ مَاءً فَانْفَتَحَ رَأْسُهُ نَزَلَ الْمَاءُ وَإِنْ سُدَّ لَمْ يَنْزِلْ لِئَلَّا يَقَعَ الْمَلَاءُ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا الثُّقْبَ بِالصِّغَرِ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ وَاسِعَةً أَمْكَنَ نُزُولُ الْمَاءِ مِنْ نَاحِيَةٍ وَيَصْعَدُ الْهَوَاءُ مِنْ نَاحِيَةٍ كَمَا يُشَاهَدُ فِي الْقَارُورَةِ الضَّيِّقَةِ الرَّأْسِ الْمَكْبُوبَةِ عَلَى الْمَاءِ فَإِنَّ نُزُولَ الْهَوَاءِ يَضْطَرِبُ فِي رَأْسِهَا بِمُزَاحَمَةِ صُعُودِ الْمَاءِ وَلِذَلِكَ يُسْمَعُ فِيهَا أَصْوَاتُ مُزَاحَمَتِهَا وَلِأَنَّا لَوْ وَضَعْنَا خَشَبَةً مُسْتَوِيَةً أَوْ أُنْبُوبَةً مَسْدُودَةَ الرَّأْسِ فِي قَارُورَةٍ بِحَيْثُ يَكُونُ بَعْضُ الْأُنْبُوبَةِ دَاخِلَ الْقَارُورَةِ وَبَعْضُهَا خَارِجٌ عَنْهَا وَسَدَدْنَا رَأْسَ الْقَارُورَةِ بِحَيْثُ لَا يَدْخُلُهَا هَوَاءٌ وَلَا يَخْرُجُ وَذَلِكَ بِأَنْ يُسَدَّ الْخَلَلُ بَيْنَ عُنُقِ الْقَارُورَةِ وَالْأُنْبُوبَةِ سَدًّا مُحْكَمًا لَا يُمْكِنُ نُفُوذُ الْهَوَاءِ فِيهَا فَإِذَا أَدْخَلْنَا الْأُنْبُوبَةَ فِيهَا أَكْثَرَ مِمَّا كَانَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>