للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(بِنَهْيٍ مَخْصُوصٍ) بِالشَّيْءِ كَالنَّهْيِ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسُ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ» وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ «فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ فَإِنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ الشَّيَاطِينَ» (فَكَرَاهَةٌ) أَيْ فَالْخِطَابُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِالْمَخْصُوصِ يُسَمَّى كَرَاهَةً وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْمَخْصُوصِ دَلِيلُ الْمَكْرُوهِ إجْمَاعًا أَوْ قِيَاسًا لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ مُسْتَنَدُ الْإِجْمَاعِ أَوْ دَلِيلُ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ مِنْ الْمَخْصُوصِ (أَوْ بِغَيْرِ مَخْصُوصٍ) بِالشَّيْءِ

ــ

[حاشية العطار]

عَنْ جَوَابِهِ فَشَنَّعَ عَلَيْهِ سم بِمَا رَأَيْنَا تَرْكَهُ خَيْرًا مِنْ نَقْلِهِ وَفِي حَاشِيَةِ السَّيِّدِ عَلَى الشَّمْسِيَّةِ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ إلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِالنَّهْيِ لَيْسَ هُوَ عَدَمَ الْفِعْلِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ إلَى الْفَهْمِ لِأَنَّ عَدَمَهُ مُسْتَمِرٌّ مِنْ الْأَزَلِ فَلَا يَكُونُ مَقْدُورًا لِلْعَبْدِ وَلَا حَاصِلًا بِتَحْصِيلِهِ بَلْ الْمَطْلُوبُ بِهِ هُوَ كَفُّ النَّفْسِ عَنْ الْفِعْلِ وَحِينَئِذٍ يُشَارِكُ الْأَمْرُ النَّهْيَ فِي أَنَّ الْمَطْلُوبَ هُوَ الْكَفُّ عَنْ فِعْلٍ آخَرَ وَحِينَئِذٍ يُمْكِنُ إدْرَاجُهُ فِي الْأَمْرِ وَيُمْكِنُ إخْرَاجُهُ عَنْهُ بِأَنْ يُقَيَّدَ الْأَمْرُ بِأَنَّهُ طَلَبُ فِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ كَمَا فَعَلَهُ بَعْضُهُمْ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ أُخْرَى مِنْهُمْ إلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِالنَّهْيِ هُوَ عَدَمُ الْفِعْلِ وَهُوَ مَقْدُورٌ لِلْعَبْدِ بِاعْتِبَارِ اسْتِمْرَارِهِ إذْ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ الْفِعْلَ فَيَزُولُ اسْتِمْرَارُ عَدَمِهِ وَلَهُ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ فَيَسْتَمِرُّ. اهـ.

قَالَ عَبْدُ الْحَكِيمِ قَوْلُهُ طَلَبُ فِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ أَيْ عَنْ فِعْلٍ آخَرَ سَوَاءٌ كَانَ طَلَبَ فِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ نَحْوُ اضْرِبْ أَوْ طَلَبَ الْكَفِّ لَكِنْ لَا يَكُونُ عَنْ فِعْلٍ آخَرَ بِأَنْ يَكُونَ طَلَبَ مُطْلَقِ الْكَفِّ نَحْوُ اُكْفُفْ أَوْ تَكُونُ الْخُصُوصِيَّةُ مُسْتَفَادَةً مِنْ ذِكْرِ الْمُتَعَلِّقِ نَحْوُ اُكْفُفْ عَنْ الزِّنَا قَالَ فَتَدَبَّرْ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ.

(قَوْله بِنَهْيٍ مَخْصُوصٍ) أَيْ مَدْلُولًا عَلَيْهِ بِنَهْيٍ مَخْصُوصٍ لَفْظِيٍّ لِأَنَّهُ الدَّلِيلُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ أَيْ فَالْخِطَابُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِالْخُصُوصِ.

(قَوْلُهُ: كَالنَّهْيِ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ إلَخْ) مَثَّلَ بِحَدِيثَيْنِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي النَّهْيِ بَيْنَ اقْتِرَانِهِ بِعِلَّةِ حُكْمِهِ وَعَدَمِ اقْتِرَانِهِ بِهَا.

(قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا) أَيْ الْإِبِلَ خُلِقَتْ مِنْ الشَّيَاطِينِ أَيْ طُبِعَتْ عَلَى طَبْعِهِمْ مِنْ النُّفُورِ وَالتَّوَحُّشِ فَهُوَ عَلَى حَدِّ خَلْقِ الْإِنْسَانِ مِنْ عَجَلٍ أَيْ وَإِذَا كَانَتْ عَلَى طَبْعِ الشَّيَاطِينِ كَانَتْ أَعْطَانُهَا مَظِنَّةَ الشَّيَاطِينِ لِأَنَّ اتِّحَادَ الطِّبَاعِ مَظِنَّةُ ائْتِلَافِ الذَّوَاتِ كَمَا قِيلَ شَبِيهُ الشَّيْءِ مُنْجَذِبٌ إلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْمَخْصُوصِ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ الْكَرَاهَةَ الْمُتَحَقِّقَةَ حَيْثُ كَانَ دَلِيلُ الْمَكْرُوهِ إجْمَاعًا أَوْ قِيَاسًا لَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا الْحَدُّ الْمُسْتَفَادُ مِنْ التَّقْسِيمِ لِأَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِيهِ كَوْنُ الِاقْتِضَاءِ بِنَهْيٍ مَخْصُوصٍ وَكُلٌّ مِنْ الْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ لَيْسَ نَهْيًا فَقَوْلُهُ عَنْ الْمَخْصُوصِ أَيْ عَنْ النَّهْيِ الْمَخْصُوصِ فَلَيْسَ مَنْشَأُ السُّؤَالِ مُجَرَّدَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَيْسَ مَخْصُوصًا وَإِلَّا فَالْإِجْمَاعُ عَلَى الْمَخْصُوصِ وَقِيَاسُ الْمَخْصُوصِ مَخْصُوصٌ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَنْشَأَ السُّؤَالِ مُجَرَّدُ مَا ذُكِرَ وَهُوَ ظَاهِرُ لَفْظِ الشَّارِحِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَلْحُوظُ مُجَرَّدَ الْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ مِنْ غَيْرِ مُلَاحَظَةِ خُصُوصِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ وَالْمَقِيسِ فَتَأَمَّلْ اهـ. سم.

وَلَعَلَّ وَجْهَ التَّأَمُّلِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ الْمُثْبِتَيْنِ لِلْكَرَاهَةِ لَا مُطْلَقِ إجْمَاعٍ وَقِيَاسٍ حَتَّى يَتِمَّ مَا ذَكَرَهُ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ مُخَالَفَةُ مَنْشَأِ السُّؤَالِ لِمَوْرِدِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ فَإِنَّ مَوْرِدَ السُّؤَالِ هُنَا التَّعْرِيفُ الضِّمْنِيُّ الْمُسْتَفَادُ مِنْ التَّقْسِيمِ وَمَنْشَؤُهُ مَا ذَكَرَهُ فَتَدَبَّرْ.

(قَوْلُهُ: إجْمَاعًا أَوْ قِيَاسًا) حَالٌ مِنْ دَلِيلٍ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ) أَيْ دَلِيلَ الْمَكْرُوهِ.

(قَوْلُهُ: وَذَلِكَ) أَيْ مُسْتَنَدُ الْإِجْمَاعِ أَوْ دَلِيلُ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ مِنْ الْمَخْصُوصِ قَالَ سم فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ اللَّازِمَ لِلْإِجْمَاعِ مُطْلَقُ الْمُسْتَنِدِ أَمَّا كَوْنُهُ نَهْيًا مَخْصُوصًا فَمِنْ أَيْنَ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدُهُ غَيْرَ الْمَخْصُوصِ فَإِنْ قِيلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْكَرَاهَةِ لَا يَكُونُ إلَّا لِمُسْتَنَدٍ مَخْصُوصٍ قُلْنَا هَذَا مَمْنُوعٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ خُصُوصًا وَتَخْصِيصُ الْكَرَاهَةِ بِمَا كَانَ بِنَهْيٍ مَخْصُوصٍ اصْطِلَاحٌ حَادِثٌ مُتَأَخِّرٌ عَنْ عَصْرِ الصَّحَابَةِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ وَقَدْ يُجَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ حُدُوثَهُ لَا يُنَافِي اعْتِبَارَ الْمَخْصُوصِيَّةِ فِي الْكَرَاهَةِ عَلَى أَنَّ الِاصْطِلَاحَ الْقَدِيمَ تَفْسِيرُ الْمَخْصُوصِيَّةِ بِالْكَرَاهَةِ الشَّدِيدَةِ الَّتِي قَصَرَ الِاصْطِلَاحُ الْحَادِثُ اسْمَ الْكَرَاهَةِ عَلَيْهَا فَلْيُتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ النَّهْيُ عَنْ تَرْكِ الْمَنْدُوبَاتِ) أَيْ النَّهْيُ اللَّفْظِيُّ وَمَعْنَى كَوْنِهِ لَفْظِيًّا أَنَّ لَفْظَ الْأَمْرِ يُفِيدُهُ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ الْمُسْتَفَادُ إلَخْ لَا أَنَّهُ مُصَرَّحٌ بِهِ لَفْظًا لِعَدَمِ صِحَّةِ ذَلِكَ هُنَا وَقَوْلُهُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ أَوَامِرِهَا أَيْ اللَّفْظِيَّةِ وَفِي كَلَامِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>