فَلَا تَتَنَاوَلُهُمَا الْأَعْمَالُ فِي الْآيَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ.
(وَوُجُوبُ إتْمَامِ الْحَجِّ) الْمَنْدُوبِ لِأَنَّ نَفْلَهُ أَيْ الْحَجِّ (كَفَرْضِهِ نِيَّةً) فَإِنَّهَا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا قَصْدُ الدُّخُولِ فِي الْحَجِّ أَيْ التَّلَبُّسِ بِهِ (وَكَفَّارَةً) فَإِنَّهَا تَجِبُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْجِمَاعِ الْمُفْسِد لَهُ (وَغَيْرَهُمَا) أَيْ غَيْرَ النِّيَّةِ وَالْكَفَّارَةِ كَانْتِفَاءِ الْخُرُوجِ بِالْفَسَادِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَحْصُلُ الْخُرُوجُ مِنْهُ بِفَسَادِهِ بَلْ يَجِبُ الْمُضِيُّ فِيهِ بَعْدَ فَسَادِهِ
ــ
[حاشية العطار]
التَّخْصِيصِ بِالْقِيَاسِ خِلَافٌ طَوِيلٌ فَالْإِمَامُ الرَّازِيّ يَقُولُ بِالْمَنْعِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِالتَّوَقُّفِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ تَفَاصِيلَ كَثِيرَةٍ وَمَشَى الْمُصَنِّفُ عَلَى الْجَوَازِ مُطْلَقًا وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَيُقَاسُ عَلَى الصَّوْمِ غَيْرُهُ لِيَشْمَلَ بَاقِيَ الْمَنْدُوبَاتِ.
وَأَمَّا مَا اقْتَضَاهُ صَنِيعُهُ مِنْ أَنَّ الْمَخْرَجَ مِنْ الْأَعْمَالِ إنَّمَا هُوَ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ فَقَطْ فَيُفِيدُ أَنَّ غَيْرَهُمَا مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ مِمَّا تَتَنَاوَلُهُ الْأَعْمَالُ فِي الْآيَةِ حُكْمًا لِأَنَّ الْعَامَّ الْمَخْصُوصَ حُجَّةٌ فِي الْبَاقِي.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ مَعَ عَدَمِ اخْتِصَاصِ الْحُكْمِ بِهِمَا لِأَنَّهُمَا اللَّذَانِ تَعَرَّضَ لَهُمَا الْخَصْمُ فِي كَلَامِهِ فَلَمْ يَرَ الشَّارِحُ أَنْ يَتَصَرَّفَ عَلَيْهِ بِالتَّصْرِيحِ بِغَيْرِهِمَا وَلَا تَخْصِيصَ الْمَتْنِ بِهِمَا عَلَى مَا هُوَ عَادَتُهُ فِي أَمْثَالِ ذَلِكَ مَعَ اعْتِقَادِهِ عَنْ عَدَمِ اخْتِصَاصِ هَذَا الْحُكْمِ بِهِمَا.
(قَوْلُهُ: فَلَا تَتَنَاوَلُهُمَا الْأَعْمَالُ) قَالَ النَّاصِرُ فِيهِ مُنَاقَشَةٌ لِأَنَّ الْعَامَّ الْمَخْصُوصَ سَيَأْتِي أَنَّ عُمُومَهُ مُرَادٌ تَنَاوُلًا لَا حُكْمًا اهـ.
وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْمُرَادَ بِصَرِيحِ قَرِينَةِ السِّيَاقِ لَا تَتَنَاوَلُهُمَا الْأَعْمَالُ حُكْمًا أَوْ مُطْلَقًا وَهَذَا ظَاهِرٌ.
(قَوْلُهُ: جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ) وَهِيَ الْآيَةُ وَالْحَدِيثُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَانِ وَلِلْجَمْعِ الْمَذْكُورِ جَعَلْنَا الِاسْتِثْنَاءَ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْقَائِلِ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُمَا لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ مُنْقَطِعًا اهـ. زَكَرِيَّا.
(قَوْلُهُ: وَوُجُوبُ إتْمَامِ الْحَجِّ) جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ أَنَّ مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ أَنَّ تَمَامَ الْمَنْدُوبِ لَا يَجِبُ يَنْتَقِضُ بِوُجُوبِ إتْمَامِ الْحَجِّ الْمَنْدُوبِ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ ذَلِكَ لِمَعْنًى يَخُصُّ الْحَجَّ وَهِيَ تَسْوِيَةُ الشَّارِحِ بَيْنَ فَرْضِهِ وَنَفْلِهِ كَذَا قَرَّرَ سم وَلَا يَخْفَى أَنَّ السُّؤَالَ وَارِدٌ عَلَى كُلِّيَّةِ كُبْرَى الْقِيَاسِ السَّابِقِ.
وَالْجَوَابُ تَسْلِيمٌ لِانْتِقَاضِهَا فَيَخْتَلُّ نَظْمُ الْقِيَاسِ حِينَئِذٍ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالُ إنَّ قَوْلَهُ وَوُجُوبُ إتْمَامِ الْحَجِّ اسْتِثْنَاءٌ فِي الْمَعْنَى لَا جَوَابُ نَقْضٍ أَوْ جَوَابٌ عَنْ وَجْهِ إيجَابِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعَ كَوْنِهِ عَلَى خِلَافِ تِلْكَ الْقَاعِدَةِ وَبِهَذَا ظَهَرَ لَك صِحَّةُ كَلَامِ الْكُورَانِيِّ فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ السُّؤَالِ وَأَنَّ مَا رَدَّ بِهِ عَلَيْهِ سم خِلَافُ الْإِنْصَافِ وَعُدُولٌ عَنْ سُلُوكِ طَرِيقِ الْمُنَاظَرَةِ وَأَوْرَدَ أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْقَاعِدَةِ غَيْرُ الْحَجِّ كَالْأُضْحِيَّةِ فَإِنَّهَا سُنَّةٌ وَإِذَا ذُبِحَتْ لَزِمَتْ بِالشُّرُوعِ فَمَا وَجْهُ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْحَجِّ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ بِتَمَامِ الذَّبْحِ تَحْصُلُ الْأُضْحِيَّةُ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا وُجُوبُ الْإِتْمَامِ بِالشُّرُوعِ وَعَلَى فَرْضِ تَصَوُّرِ ذَلِكَ فَوُجُوبُ الْإِتْمَامِ لِدَفْعِ تَلَفِ الْمَالِ لَا لِلشُّرُوعِ فِي الْمَنْدُوبِ لَكِنَّ عَدَمَ الْإِتْمَامِ لَا يَسْتَلْزِمُ التَّلَفَ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِجَوَازِ أَنْ يَحْصُلَ بِالشُّرُوعِ جُرْحٌ خَفِيفٌ تَعِيشُ بِهِ الْأُضْحِيَّةُ وَلَا يُنْقِصُ الْقِيمَةَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِاسْتِثْنَاءِ الْحَجِّ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ نَفْلًا بَلْ هُوَ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَحُجَّ فَرْضُ عَيْنٍ.
وَفِي حَقِّ مَنْ حَجَّ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَإِنَّ إقَامَةَ شَعَائِرِ الْحَجِّ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ اهـ وَنُوقِشَ بِأَنَّهُ يُصَوَّرُ بِحَجِّ الْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ وَبُحِثَ بِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ يَسْقُطُ بِهَؤُلَاءِ وَإِنْ لَمْ يَتَوَجَّهْ الْخِطَابُ إلَيْهِمْ فَإِنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ تَسْقُطُ بِالصِّبْيَانِ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الرِّجَالِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ فِعْلَهُمْ لَمْ يَقَعْ فَرْضًا بَلْ وَقَعَ نَفْلًا لَكِنَّهُ سَدَّ مَسَدَ الْفَرْضِ أَبَانَ الْكَلَامَ فِي نَفْلٍ يَصِحُّ أَنْ يَتَّصِفَ بِوُجُوبِ الْإِتْمَامِ وَحَجُّ الصَّبِيِّ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّنْ يُخَاطَبُ بِالْوُجُوبِ وَالْحَمْلُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَأْمُرَهُ بِإِتْمَامِهِ تَكَلُّفٌ مُتَوَقِّفٌ عَلَى ثُبُوتِ أَنَّ الْقَائِلَ بِوُجُوبِ الْإِتْمَامِ يَطْرُدُهُ فِي حَقِّ الْوَلِيِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّبِيِّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ نَفْلَهُ كَفَرْضِهِ) ضَمِيرُ نَفْلِهِ يَعُودُ لِلْحَجِّ الْمُطْلَقِ عَنْ كَوْنِهِ نَفْلًا أَوْ فَرْضًا لَا لِلْحَجِّ النَّفْلِ لِئَلَّا يَلْزَمَ اتِّحَادُ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ فَفِي كَلَامِهِ اسْتِخْدَامُ حَيْثُ أَطْلَقَ الْحَجَّ أَوَّلًا مُرَادًا بِهِ النَّفَلُ وَأَعَادَ عَلَيْهِ الضَّمِيرَ مُرَادًا بِهِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ وَالْأَعَمُّ يُغَايِرُ الْأَخَصَّ فَقَدْ ذَكَرَ الْحَجُّ بِمَعْنًى وَأَعَادَ عَلَيْهِ الضَّمِيرَ بِمَعْنًى آخَرَ.
(قَوْلُهُ: أَيْ التَّلَبُّسُ بِهِ) تَفْسِيرُ الدُّخُولِ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ هَاهُنَا بِالدُّخُولِ حَقِيقَتَهُ وَهُوَ الْعُبُورُ فِي الْجِسْمِ أَيْ مُجَاوَزَةُ أَوَّلِ أَجْزَائِهِ بَلْ التَّلَبُّسُ الْمَعْنَوِيُّ بِالْفِعْلِ جَمِيعِهِ لِأَنَّ جَمِيعَهُ مَنْوِيٌّ