للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمِيرُ نَفْسِهِ إنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَيُقَاسَ عَلَى الصَّوْمِ الصَّلَاةُ

ــ

[حاشية العطار]

يَعْنِي حَمْلُ الصَّائِمِ عَلَى مُرِيدِ الصَّوْمِ بِبَقَاءِ صَامَ فِي قَوْلِهِ إنْ شَاءَ صَامَ عَلَى حَقِيقَتِهِ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي إذْ حَقِيقَةُ الْإِمْسَاكِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ اهـ.

قَالَ سم مَا تَمَسَّكَ بِهِ لَا يُغْنِي عَنْهُ شَيْئًا لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ حَمْلِ الصَّائِمِ عَلَى مُرِيدِ الصَّوْمِ تَجَوُّزَانِ:

أَحَدُهُمَا: فِي لَفْظِ الصَّائِمِ حَيْثُ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَى مُرِيدِ الصَّوْمِ.

وَالثَّانِي: فِي لَفْظِ أَفْطَرَ حَيْثُ اُسْتُعْمِلَ عَلَى هَذَا فِي مَعْنَى اسْتَمَرَّ مُفْطِرًا وَذَلِكَ خِلَافُ حَقِيقَتِهِ قَطْعًا بِخِلَافِ حَمْلِ الصَّائِمِ عَلَى حَقِيقَتِهِ الَّذِي هُوَ قَوْلُنَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَجَوُّزٌ وَاحِدٌ فِي قَوْلِهِ إنْ شَاءَ صَامَ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ بِمَعْنَى اسْتَمَرَّ صَائِمًا وَلَا شُبْهَةَ فِي أَنَّ تَقْلِيلَ الْمَجَازِ أَقْرَبُ إلَى الْأَصْلِ فَمَا قُلْنَاهُ أَرْجَحُ.

وَأَمَّا دَعْوَاهُ أَنَّ الصَّائِمَ مَجَازٌ فِيمَا قَبْلَ التَّمَامِ فَمَمْنُوعٌ بَلْ إطْلَاقُ اسْمِ الْفَاعِلِ عَلَى الْمُتَلَبِّسِ بِالْحَدَثِ قَبْلَ تَمَامِهِ حَقِيقَةٌ وَقَدْ قَالَ الْفُقَهَاءُ لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي حَنِثَ بِالشُّرُوعِ الصَّحِيحِ وَإِنْ أَفْسَدَ الصَّلَاةَ لِصِدْقِ اسْمِ الصَّلَاةِ وَيَلْزَمُ عَلَى مَا قَالَهُ أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ لَا يَكُونُ حَقِيقَةً إلَّا بَعْدَ التَّمَامِ وَلَا يَقُولُهُ أَحَدٌ بَلْ هُوَ حِينَئِذٍ مَجَازٌ قَطْعًا أَيْ بِاعْتِبَارِ مَا مَضَى اهـ.

وَبُحِثَ فِي كَلَامِ سم بِأَنَّ دَعْوَاهُ أَنَّ الصَّائِمَ حَقِيقَةٌ فِيمَا قَبْلَ التَّمَامِ مَمْنُوعَةٌ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ حَقِيقَةُ الصَّوْمِ شَرْعًا الْإِمْسَاكَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ لَزِمَ أَنَّ الصَّائِمَ قَبْلَ تَمَامِ الصَّوْمِ مَجَازٌ لِعَدَمِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْمُمْسِكِ جَمِيعَ هَذِهِ الْمُدَّةِ وَإِنَّ مَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ مَنْ نَصَبَهُمْ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ حَقِيقَةٌ فِي التَّلَبُّسِ بِالْحَدَثِ قَبْلَ تَمَامِهِ فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَدَثٍ يَتَسَاوَى فِي إطْلَاقِ اسْمِهِ عَلَيْهِ بَعْضِهِ وَكُلِّهِ كَالضَّرْبِ لَا عَلَى خِلَافِهِ كَالصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ.

وَفِي قَوْلِهِ يَلْزَمُ عَلَى مَا قَالَهُ إلَخْ بِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ كُلِّيًّا مِنْ كَلَامِهِ أَصْلًا وَلَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَهُوَ الصَّائِمُ لِصِدْقِ كَلَامِهِ بِكَوْنِهِ حَقِيقَةً مَعَ التَّمَامِ.

وَأَقُولُ هَذِهِ تَدْقِيقَاتٌ لَا يَتَحَمَّلُهَا الِاسْتِعْمَالُ اللُّغَوِيُّ وَلَا الْعُرْفِيُّ فَإِنَّ قَوْلَهُمْ إنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ حَقِيقَةٌ فِي الْمُتَلَبِّسِ بِالْفِعْلِ مَعْنَاهُ اسْمُ الْفَاعِلِ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ وَإِنْ لَمْ يُتِمَّ مَا تَلَبَّسَ بِهِ مِنْ الْحَدَثِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا فِي ذَلِكَ بَيْنَ فِعْلٍ وَفِعْلٍ وَأَنَّ الْمُمْسِكَ عَنْ الْمُفْطِرِ مَعَ النِّيَّةِ مُتَلَبِّسٌ بِحَقِيقَةِ الصَّوْمِ قَطْعًا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَبَادُرُ لَفْظِ الصَّائِمِ فِيهِ أَيَّ وَقْتٍ وَالتَّبَادُرُ أَمَارَةُ الْحَقِيقَةِ.

وَفِي الْحَدِيثِ «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» وَلَا شَكَّ أَنَّهُ فِيمَنْ لَمْ يَأْتِ عَلَيْهِ الْغُرُوبُ نَعَمْ لَا يُعْتَدُّ بِهَذِهِ الْحَقِيقَةِ شَرْعًا لِإِتْمَامِ الْغُرُوبِ وَهَذَا شَيْءٌ آخَرُ فَتَدَبَّرْ وَيَلْزَمُ عَلَى مَا قَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ أَيْضًا تَجَوُّزٌ ثَالِثٌ وَهُوَ حَمْلُ الْمُتَطَوِّعِ عَلَى مُرِيدِ التَّطَوُّعِ قَالَ بَعْضٌ مِنْهُمْ لَا يَخْفَى أَنَّ حَدِيثَ الْآحَادِ وَإِنْ صَحَّ لَا يَصْلُحُ لِمُعَارَضَةِ عُمُومِ الْقُرْآنِ لِكَوْنِهِ قَطْعِيًّا وَالْحَدِيثُ ظَنِّيٌّ مَعَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ فِيهِ كَلَامٌ مَتْنًا وَسَنَدًا. فَقَدْ قِيلَ إنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى أُمِّ هَانِئٍ وَتَسَاهُلُ الْحَاكِمِ مَعْلُومٌ فَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِهِ إنَّهُ صَحِيحٌ وَلَوْ سُلِّمَ فَالْحَدِيثُ يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ بِحَيْثُ لَا يُعَارِضُ عُمُومَ الْقُرْآنِ فَتَجِبُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى عُمُومِهِ وَذَلِكَ إمَّا بِحَمْلِ الصَّائِمِ الْمُتَطَوِّعِ عَلَى مُرِيدِ الصَّوْمِ تَطَوُّعًا أَوْ بِحَمْلِ الْأَمِيرِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ قَدْ غَلَبَ نَفْسَهُ وَقَهَرَهَا وَمَلَكَ زِمَامَهَا حَيْثُ صَبَّرَهَا عَلَى تَحَمُّلِ الْمَشَاقِّ مِنْ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ مُخَيَّرًا وَكَانَ إنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ وَمَا كَانَ مُلْزَمًا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ وَمِثْلُ هَذَا التَّأْوِيلِ لِمُرَاعَاةِ عُمُومِ الْآيَةِ مَقْبُولٌ وَلَوْ سُلِّمَ فَلَا دَلَالَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ إنْ أَفْطَرَ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ إنَّهُ يَجُوزُ الْإِفْطَارُ مَعَ الْقَضَاءِ. اهـ.

وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَا يَدُلُّ عَلَى لُزُومِ الْقَضَاءِ اهـ.

أَقُولُ وَمَا قَالَهُ مِنْ تَسَاهُلِ الْحَاكِمِ يُؤَيِّدُهُ مَا رَأَيْته فِي تَارِيخِ الْحَافِظِ الذَّهَبِيِّ فِي تَرْجَمَةِ الْحَاكِمِ نَقْلًا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمَالِينِيِّ يَقُولُ طَالَعْت كِتَابَ الْمُسْتَدْرَكِ عَلَى الشَّيْخَيْنِ الَّذِي صَنَّفَهُ الْحَاكِمُ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ فَلَمْ أَرَ فِيهِ حَدِيثًا عَلَى شَرْطِهِمَا قَالَ الذَّهَبِيُّ وَهَذَا إسْرَافٌ وَغُلُوٌّ مِنْ الْمَالِينِيِّ وَإِلَّا فَفِي الْمُسْتَدْرَكِ جُمْلَةٌ وَافِرَةٌ عَلَى شَرْطِهِمَا وَجُمْلَةٌ كَثِيرَةٌ عَلَى شَرْطِ أَحَدِهِمَا لَعَلَّ مَجْمُوعَ ذَلِكَ نَحْوُ نِصْفِ الْكِتَابِ وَفِيهِ نَحْوُ الرُّبْعِ مِمَّا صَحَّ سَنَدُهُ وَمَا بَقِيَ فَهُوَ مَنَاكِيرُ وَوَاهِيَاتٌ لَا تَصِحُّ وَفِي بَعْضِ ذَلِكَ مَوْضُوعَاتٌ عُلِمَتْ لَك لَمَّا اخْتَصَرْت هَذَا الْمُسْتَدْرَكَ وَنَبَّهْت عَلَى ذَلِكَ.

قَوْلُهُ «أَمِيرُ نَفْسِهِ» رُوِيَ بِالرَّاءِ وَبِالنُّونِ اهـ. زَكَرِيَّا.

(قَوْلُهُ: وَيُقَاسُ عَلَى الصَّوْمِ الصَّلَاةُ) لَعَلَّ الْجَامِعَ كَوْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا عِبَادَةً بَدَنِيَّةً مُؤَقَّتَةً بِوَقْتٍ مَخْصُوصٍ وَفِي

<<  <  ج: ص:  >  >>