مِنْ حَيْثُ هِيَ الشَّامِلَةُ لِصِحَّةِ الْعِبَادَةِ وَصِحَّةِ الْعَقْدِ (مُوَافَقَةُ) الْفِعْلِ (ذِي الْوَجْهَيْنِ) وُقُوعًا (الشَّرْعَ) وَالْوَجْهَانِ مُوَافَقَةُ الشَّرْعِ وَمُخَالَفَتُهُ أَيْ الْفِعْلِ الَّذِي يَقَعُ تَارَةً مُوَافِقًا لِلشَّرْعِ لِاسْتِجْمَاعِهِ مَا يُعْتَبَرُ فِيهِ شَرْعًا وَتَارَةً مُخَالِفًا لَهُ لِانْتِفَاءِ ذَلِكَ عِبَادَةً كَانَ كَالصَّلَاةِ أَوْ عَقْدًا كَالْبَيْعِ لِصِحَّةِ مُوَافَقَتِهِ الشَّرْعَ بِخِلَافِ مَا لَا يَقَعُ إلَّا مُوَافِقًا لِلشَّرْعِ كَمَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى
ــ
[حاشية العطار]
الْعِبَادَةِ مَثَلًا عَلَى الْأَوَامِرِ فَكَوْنُ الْفِعْلِ مُوَافِقًا لِلْأَمْرِ أَوْ مُخَالِفًا لَا يَحْتَاجُ إلَى تَوْقِيفٍ مِنْ الشَّارِعِ بَلْ يُعْرَفُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ كَكَوْنِهِ مُؤَدِّيًا لِلصَّلَاةِ أَوْ تَارِكًا لَهُمَا فَلَا يَكُونُ حُكْمًا شَرْعِيًّا بَلْ عَقْلِيًّا وَتَمَحَّلَ سم بِأَجْوِبَةٍ أَحْسَنُهَا أَنَّ الْخِطَابَ إذَا وَرَدَ بِاعْتِبَارِ الشُّرُوطِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ كَأَنَّهُ وَرَدَ بِأَنَّ مَا اسْتَجْمَعَ هَذِهِ الْأُمُورَ مُوَافِقٌ وَمَا لَا مُخَالِفٌ.
وَفِيهِ أَنَّ هَذَا مَأْخُوذٌ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ فَيَكُونُ مِنْ اسْتِنْبَاطِ الْعَقْلِ فَالْحَقُّ أَنَّ الصِّحَّةَ وَالْفَسَادَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْعَقْلِيَّةِ لَمْ يَرِدْ بِهَا الْخِطَابُ وَعَلَى هَذَا فَالْأَحْكَامُ الْوَضْعِيَّةُ ثَلَاثَةٌ.
وَأَمَّا بَقِيَّةُ كَلَامِ سم فَمِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسَطَّرَ (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ هِيَ إلَخْ) هِيَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ مِنْ حَيْثُ هِيَ صِحَّةٌ وَالْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ جَرٍّ بِإِضَافَةِ حَيْثُ إلَيْهَا فَلَمْ تُضَفْ حَيْثُ إلَى الْجُمْلَةِ وَالْحَيْثِيَّةُ لِلْإِطْلَاقِ وَالشَّارِحُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ وَقِيلَ صِحَّةُ الْعِبَادَةِ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: الشَّامِلَةُ لِصِحَّةِ الْعِبَادَةِ إلَخْ) أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَقِيلَ فِي الْعِبَادَةِ إلَخْ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ التَّعْرِيفَ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا ثُمَّ إنَّهُ فَرَّقَ غَيْرُ وَاحِدٍ بَيْنَ الطَّاعَةِ وَالْقُرْبَةِ وَالْعِبَادَةِ بِأَنَّ الطَّاعَةَ امْتِثَالُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْقُرْبَةُ مَا تُقُرِّبَ بِهِ بِشَرْطِ مَعْرِفَةِ الْمُتَقَرَّبِ إلَيْهِ وَالْعِبَادَةُ مَا تُعُبِّدَ بِهِ بِشَرْطِ النِّيَّةِ وَمَعْرِفَةِ الْمَعْبُودِ فَالطَّاعَةُ تُوجَدُ بِدُونِهِمَا فِي النَّظَرِ الْمُؤَدِّي إلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى إذْ مَعْرِفَتُهُ إنَّمَا تَحْصُلُ بِتَمَامِ النَّظَرِ وَالْقُرْبَةُ تُوجَدُ بِدُونِ الْعِبَادَةِ فِي الْقُرَبِ الَّتِي لَا تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ كَالْعِتْقِ وَالْوَقْفِ فَعَلَى هَذِهِ مُتَفَرِّقَةٌ لَمْ يَتَنَاوَلْ كَلَامَ الشَّارِحِ نَحْوَ الْعِتْقِ وَالْوَقْفِ مَعَ أَنَّهُمَا يُوصَفَانِ بِالصِّحَّةِ وَالْحَقُّ أَنَّ هَذِهِ التَّفْرِقَةَ تَحَكُّمٌ فَنَحْوُ الصَّلَاةِ يُقَالُ لَهُ طَاعَةٌ وَقُرْبَةٌ وَعِبَادَةٌ بِاعْتِبَارَاتٍ وَكَذَا الْوَقْفُ وَنَحْوُهُ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وُقُوعًا) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ مُوَافَقَةُ وُقُوعِ الْفِعْلِ ذِي الْوَجْهَيْنِ فَحُذِفَ الْوُقُوعُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مُقَامَهُ فَأُضِيفَتْ الْمُوَافَقَةُ إلَيْهِ ثُمَّ جِيءَ بِالْوُقُوعِ تَمْيِيزًا فَالْمُتَّصِفُ بِذِي الْوَجْهَيْنِ حَقِيقَةً هُوَ الْوُقُوعُ لَا الْفِعْلُ.
(قَوْلُهُ: لِاسْتِجْمَاعِهِ مَا يُعْتَبَرُ فِيهِ شَرْعًا) هَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّ الصِّحَّةَ أَمْرٌ عَقْلِيٌّ وَالْمُرَادُ بِمَا يَعْتَبِرُ الشُّرُوطَ وَالْأَرْكَانَ وَانْتِفَاءَ الْمَوَانِعِ وَالْمُرَادُ اسْتِجْمَاعُهُ مَا ذُكِرَ وَلَوْ بِحَسَبِ ظَنِّ الْفَاعِلِ فَصَحَّ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تُسْقِطْ الْقَضَاءَ أَيْ بِحَسَبِ نَفْسِ الْأَمْرِ وَانْدَفَعَ اعْتِرَاضُ النَّاصِرِ بِأَنَّ تَفْسِيرَ الْمُوَافَقَةِ بِهِ يَقْتَضِي انْتِفَاءَهَا عَنْ صَلَاةِ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ مُتَطَهِّرٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ حَدَثُهُ فَتَنْتَفِي صِحَّتُهَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَيَأْتِي أَنَّهَا صَحِيحَةٌ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ أَمْرُ الشَّارِعِ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ لَتَنَاوَلَ الْحَدُّ صِحَّةَ الْعِبَادَةِ وَالْعَقْدِ أَيْضًا بِدُونِ تَفْسِيرِ الْمُوَافَقَةِ بِالِاسْتِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ اهـ وَوَجْهُ الدَّفْعِ أَنَّ الطَّهَارَةَ الْمُعْتَبَرَةَ شَرْعًا فِي الصَّلَاةِ أَعَمُّ مِنْ الْمُتَيَقَّنَةِ وَالْمَظْنُونَةِ فَدَعْوَى الِاقْتِضَاءِ الْمَذْكُورِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ وَمِنْ ذَلِكَ صَلَاةُ فَاقِدِ الطَّهُورِ فَهِيَ صَحِيحَةٌ لِاسْتِجْمَاعِهَا مَا يُعْتَبَرُ فِيهَا شَرْعًا إذْ الطَّهَارَةُ مُطْلَقًا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِيهَا إذْ هِيَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا وَصَلَاةُ مَرِيضٍ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ لِعَدَمِ مَنْ يُوَجِّهُهُ إلَيْهَا.
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا لَا يَقَعُ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ ذِي الْوَجْهَيْنِ.
(قَوْلُهُ: إلَّا مُوَافِقًا) وَكَذَا مَا لَا يَقَعُ إلَّا مُخَالِفًا كَالشِّرْكِ فَلَا يُوصَفُ بِالْبُطْلَانِ لِأَنَّهُ لَيْسَ ذَا وَجْهَيْنِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ