كَالتَّصْدِيقِ) أَيْ الْحُكْمُ بِأَنَّ زَيْدًا مُتَحَرِّكٌ مِمَّنْ شَاهَدَهُ مُتَحَرِّكًا أَوْ أَنَّ الْعَالَمَ حَادِثٌ أَوْ أَنَّ الْجَبَلَ حَجَرٌ (وَ) التَّصْدِيقُ أَيْ الْحُكْمُ الْجَازِمُ (الْقَابِلُ) لِلتَّغَيُّرِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِمُوجِبٍ طَابَقَ الْوَاقِعَ أَوْ لَا إذْ يَتَغَيَّرُ الْأَوَّلُ بِالتَّشْكِيكِ وَالثَّانِي بِهِ أَوْ بِالِاطِّلَاعِ عَلَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (اعْتِقَادٌ) وَهُوَ اعْتِقَادٌ (صَحِيحٌ إنْ طَابَقَ) الْوَاقِعَ كَاعْتِقَادِ الْمُقَلِّدِ أَنَّ الضُّحَى مَنْدُوبٌ (فَاسِدٌ إنْ لَمْ يُطَابِقْ) أَيْ الْوَاقِعَ كَاعْتِقَادِ الْفَلَاسِفَةِ أَنَّ الْعَالَمَ قَدِيمٌ (وَ) التَّصْدِيقُ أَيْ الْحُكْمُ (غَيْرُ الْجَازِمِ)
ــ
[حاشية العطار]
بِعِلْمٍ وَلَا مَطْعَنَ فِي مُقَدِّمَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ.
وَقَدْ صَرَّحَ مِيرْ أَبُو الْفَتْحِ فِي حَوَاشِي الْجَلَالِ الدَّوَانِيِّ عَلَى التَّهْذِيبِ بِأَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ إلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعِلْمَ مِنْ مَقُولَةِ الْفِعْلِ وَقَوْلُهُ إنَّ الشَّارِحَ ثِقَةٌ وَإِنَّهُ لَا وَجْهَ لِلطَّعْنِ فِي نَقْلِهِ إلَخْ قَدْ تَكَرَّرَ مِنْهُ ذَلِكَ.
وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مِثْلَهُ لَا يَنْفَعُ فِي مَقَامِ الرَّدِّ عَلَى الْمُعْتَرِضِ وَأَنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ غَيْرُ جَادَّةٍ فِي الْمُنَاظَرَةِ بَلْ هِيَ مُبَاهَتَةٌ سَادَّةٌ لِسَبِيلِ تَحْقِيقِ الْحَقِّ، وَأَمَّا الْتِزَامُهُ دُخُولَ عِلْمِ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ بِالتَّكَلُّفِ الَّذِي سَلَكَهُ فِي بَيَانِ الدُّخُولِ فَغَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ وَلَا حَاجَةَ لِتَنَاوُلِ التَّعْرِيفِ لَهُ لِمَا سَبَقَ مِنْ الْبَيَانِ.
وَأَمَّا جَوَابُهُ عَنْ الثَّالِثِ فَفِيهِ مَقْنَعٌ وَلَكِنَّ التَّحْقِيقَ مَا ذَكَرْنَاهُ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: كَالتَّصْدِيقِ إلَخْ) فِيهِ مَعَ قَوْلِهِ مِنْ حِسٍّ أَوْ عَقْلٍ أَوْ عَادَةٍ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ (قَوْلُهُ: مِمَّنْ شَاهَدَهُ مُتَحَرِّكًا) أَيْ فَالْمُشَاهَدَةُ وَالْإِبْصَارُ لِزَيْدٍ لَا لِلْحَرَكَةِ وَنَقَلَ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَوَاشِي الْخَيَالِيِّ أَنَّ الْجُبَّائِيَّ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْحَرَكَةَ وَالسُّكُونَ يُدْرَكَانِ بِحَاسَّةِ الْبَصَرِ وَاللَّمْسِ.
(قَوْلُهُ: إذْ يَتَغَيَّرُ الْأَوَّلُ) هُوَ مَا لَمْ يَكُنْ لِمُوجِبٍ وَطَابَقَ الْوَاقِعَ وَقَوْلُهُ وَالثَّانِي هُوَ مَا لَمْ يَكُنْ لِمُوجِبٍ وَلَمْ يُطَابِقْ الْوَاقِعَ.
(قَوْلُهُ: عَلَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ) هُوَ الْمُرَادُ بِالْوَاقِعِ وَالْخَارِجِ وَهُوَ الشَّيْءُ فِي حَدِّ ذَاتِهِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ إدْرَاكِ مُدْرِكٍ وَاعْتِبَارِ مُعْتَبِرٍ (قَوْلُهُ: وَهُوَ اعْتِقَادٌ إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ صَحِيحٌ لَيْسَ صِفَةً لِاعْتِقَادٍ بَلْ مُسْتَأْنَفٌ إشَارَةً لِتَقْسِيمٍ آخَرَ لِلِاعْتِقَادِ (قَوْلُهُ: كَاعْتِقَادِ الْمُقَلِّدِ) قَالَ النَّاصِرُ فِي جَعْلِهِمْ التَّقْلِيدَ يُفِيدُ الْمُقَلِّدَ الِاعْتِقَادَ وَالدَّلِيلَ يُفِيدُ الْمُجْتَهِدَ الظَّنَّ الَّذِي هُوَ أَضْعَفُ مِنْ الِاعْتِقَادِ إشْكَالٌ لَا يَخْفَى وَجْهُهُ. اهـ.
قَالَ سم لَا إشْكَالَ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُقَلِّدَ خَالٍ عَنْ الْمُزَاحَمَاتِ بِخِلَافِ الْمُجْتَهِدِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ فِي الْأَدِلَّةِ الَّتِي تَتَعَارَضُ وَتَتَزَاحَمُ عِنْدَهُ فَغَايَةُ مَا يَتِمُّ لَهُ تَرْجِيحُ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِخِلَافِ الْمُقَلِّدِ فَإِنَّهُ لَا شُغْلَ لَهُ بِالْمُزَاحِمِ فَلَا يَزَالُ يَأْنَسُ بِمُعْتَقَدِهِ فَيَقْوَى ثُمَّ نَقَلَ عِبَارَةَ الْإِحْيَاءِ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُجْتَهِدَ إذَا اسْتَفَادَ الْحُكْمَ مِنْ الدَّلِيلِ الظَّنِّيِّ كَانَ اعْتِقَادُهُ لَهُ لِمُوجِبٍ فَيَكُونُ ظَنُّهُ لَهُ قَوِيًّا بَالِغًا مَبْلَغَ الْيَقِينِ فَهُوَ قَطْعِيٌّ بِالنِّسْبَةِ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْكِتَابِ وَإِنْ كَانَ الدَّلِيلُ فِي حَدِّ ذَاتِهِ لَا يُفِيدُ إلَّا ظَنًّا وَلَكِنَّ الظَّنَّ الَّذِي حَصَلَ لِلْمُجْتَهِدِ لَا يَزُولُ إلَّا بِقَاطِعٍ قَوِيٍّ وَلَا كَذَلِكَ اعْتِقَادُ الْمُقَلِّدِ فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لِمُوجِبٍ كَانَ عُرْضَتُهُ الزَّوَالَ وَالتَّشْكِيكَ فَرُسُوخُهُ عِنْدَهُ لِعَدَمِ طَرَيَان الْمُعَارِضِ أَوْ التَّشْكِيكِ حَتَّى لَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ زَالَ اعْتِقَادُهُ وَلِذَلِكَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ عَقْدُ الْمُقَلِّدِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مُسْتَنَدٌ عَقْلِيٌّ فَهُوَ عَلَى الْقَطْعِ مِنْ جِنْسِ الْجَهْلِ.
وَقَالَ أَبُو هَاشِمٍ الْجُبَّائِيُّ فِي كِتَابِ الْأَبْوَابِ إنَّ الْعَقْدَ الصَّحِيحَ مُمَاثِلٌ لِلْجَهْلِ وَعَنَى بِالْعَقْدِ اعْتِقَادَ الْمُقَلِّدِ اهـ.
فَظَهَرَ أَنْ لَا أَثَرَ لِلْإِشْكَالِ، وَالْعَجَبُ أَنَّ النَّاصِرَ قَالَ سَيَأْتِي عِنْدَ تَعْرِيفِ الْجَهْلِ أَنَّ ظَنَّ الْمُجْتَهِدِ يُفْضِي إلَى الْعِلْمِ بِمُوجِبِ الْأَمَارَةِ فَلَا يَنْدَرِجُ فِي الظَّنِّ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَالتَّصْدِيقُ غَيْرُ الْجَازِمِ إلَخْ) مَا سَلَكَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ جَعْلِ التَّصْدِيقِ الْغَيْرِ الْجَازِمِ مُقَسَّمًا لِلظَّنِّ وَالشَّكِّ وَالْوَهْمِ قَالَ الْكَمَالُ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي كَلَامِ الرَّازِيّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَلَكِنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ الشَّكَّ وَالْوَهْمَ لَا حُكْمَ فِيهِمَا كَمَا سَيَأْتِي فِي الشَّارِحِ. وَالشَّيْخُ ابْنِ الْحَاجِبِ جَعَلَ الْمُقَسَّمَ مَا عَنَّهُ الذِّكْرُ الْحُكْمِيُّ فَقَالَ الْعَضُدُ فِي شَرْحِهِ جَعَلَهُ مُقَسَّمًا دُونَ الِاعْتِقَادِ أَوْ الْحُكْمِ لِيَتَنَاوَلَ الشَّكَّ وَالْوَهْمَ مِمَّا لَا اعْتِقَادَ وَلَا حُكْمَ لِلذِّهْنِ فِيهِ اهـ.
فَقَدْ جَرَى الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا التَّقْسِيمِ عَلَى طَرِيقَةٍ ضَعِيفَةٍ، وَالتَّحْقِيقُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ فِيمَا بَعْدُ وَقِيلَ لَيْسَ الْوَهْمُ إلَخْ قَالَ عَبْدُ الْحَكِيمِ تَوَهَّمَ الْبَعْضُ أَنَّ الشَّكَّ وَالْوَهْمَ مِنْ قَبِيلِ التَّصْدِيقِ فَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ تَصَوُّرَاتِ النِّسْبَةِ وَاقِعَةً أَوْ لَيْسَتْ بِوَاقِعَةٍ وَبَيْنَ الْإِذْعَانِ بِهِ.
(قَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَ مَعَهُ احْتِمَالُ نَقِيضَ إلَخْ) وَذَلِكَ النَّقِيضُ هُوَ الطَّرَفُ الْمَرْجُوحُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ بِالْفِعْلِ فَيَكُونُ مُرَكَّبًا مِنْ اعْتِقَادَيْنِ وَهُوَ خِلَافُ