فِي جُزْئِيَّاتِهِ فَلَيْسَ بَعْضُهَا، وَإِنْ كَانَ ضَرُورِيًّا أَقْوَى فِي الْجَزْمِ مِنْ بَعْضِ الْأُمُورِ، وَإِنْ كَانَ نَظَرِيًّا (وَإِنَّمَا التَّفَاوُتُ) فِيهَا (بِكَثْرَةِ الْمُتَعَلِّقَاتِ) فِي بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ كَمَا فِي الْعِلْمِ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ وَالْعِلْمِ بِشَيْئَيْنِ
ــ
[حاشية العطار]
حُصُولُ الْمَعْنَى فِي الْقَلْبِ، وَالْفِعْلُ الْقَلْبِيُّ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ إيقَاعُ النِّسْبَةِ اخْتِيَارًا الَّذِي هُوَ كَلَامُ النَّفْسِ وَيُسَمَّى عَقْدَ الْقَلْبِ اهـ.
وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ الْإِيمَانُ مِنْ جِنْسِ الْعِلْمِ أَصْلًا لِكَوْنِهِ فِعْلًا اخْتِيَارِيًّا، وَالْعِلْمُ كَيْفٌ أَوْ انْفِعَالٌ فَهُوَ أَمْرٌ وَرَاءَ الْعِلْمِ وَعَلَيْهِ لَا سُؤَالَ وَلَا جَوَابَ لَكِنَّ هَذَا الْقَوْلَ مُزَيَّفٌ بِمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الْجَلَالِ الدَّوَانِيِّ عَلَى الْعَقَائِدِ الْعَضُدِيَّةِ.
وَبَقِيَ هَاهُنَا بَحْثٌ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى الْقَوْلِ بِاتِّحَادِ الْعِلْمِ أَنْ تَكُونَ عُلُومُ آحَادِ الْأُمَمِ مُمَاثِلَةً لِعُلُومِ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَنْ لَا يَتَرَجَّحَ بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى بَعْضٍ فِي الْعِرْفَانِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَقَامَ الْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ - فِي الْعِرْفَانِ وَهُوَ الْعِلْمُ بِاَللَّهِ فَوْقَ مَقَامِ الْأُمَمِ، وَلَا شَكَّ أَيْضًا فِي تَفَاوُتِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْعِرْفَانِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اطَّلَعُوا مِنْ صِفَاتِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ عَلَى مَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ غَيْرُهُمْ، فَالتَّفَاوُتُ بِحَسَبِ الْمُتَعَلِّقِ، وَأَيْضًا فَحُضُورُ الْأَنْبِيَاءِ لَا يُدَانِيهِ حُضُورُ غَيْرِهِمْ فَالتَّفَاوُتُ بِاعْتِبَارِ عُرُوضِ الْغَفْلَةِ لِغَيْرِهِمْ دُونَهُمْ، وَكَذَلِكَ رُجْحَانُ بَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى بَعْضٍ فِي الْعِرْفَانِ إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ زِيَادَةِ الْمَعَارِفِ وَقِلَّةِ الْغَفَلَاتِ عَنْهَا بَعْدَ حُصُولِهَا.
وَقَدْ أَشَارَ أَكْمَلُ الْعَارِفِينَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا» إلَى أَنَّ التَّفَاوُتَ بِكَثْرَةِ الْمُتَعَلِّقَاتِ إذْ لَوْ قُصِدَتْ الْإِشَارَةُ إلَى التَّفَاوُتِ فِي الْعِلْمِ الْوَاحِدِ لَكَانَتْ الْعِبَارَةُ عَنْ ذَلِكَ، لَوْ تَعْلَمُونَ كَمَا أَعْلَمُ وَأَشَارَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى التَّفَاوُتِ بِاعْتِبَارِ اعْتِرَاضِ الْغَفَلَاتِ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ «لَوْ تَدُومُونَ كَمَا تَكُونُونَ عِنْدِي لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ فِي الطُّرُقِ» فَنَبَّهَ أَنَّ الْغَفْلَةَ تَخْتَلِسُهُمْ فِي غَيْبَتِهِمْ عَنْهُ وَتَتَحَاشَاهُمْ بِحَضْرَتِهِ الشَّرِيفَةِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(قَوْلُهُ: فِي جُزْئِيَّاتِهِ) الْمُرَادُ بِهَا أَفْرَادُ الْعِلْمِ الْقَائِمَةُ بِذَوَاتِ الْعَالَمِينَ.
(قَوْلُهُ: فِي الْجَزْمِ) أَيْ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةُ الْعِلْمِ وَإِنَّمَا التَّفَاوُتُ بِاعْتِبَارِ أُلْفِ النَّفْسِ وَعَدَمِهِ فَلَا يُنَافِي هَذَا أَنَّ الْعِلْمَ النَّظَرِيَّ مُسَاوٍ لِلْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ وَلَكِنْ يُقَالُ عَلَيْهِ إنَّ الْعِلْمَ النَّظَرِيَّ يُعَارَضُ بِخِلَافِ الضَّرُورِيِّ فَالْحَقُّ أَنَّ الْجَزْمَ الضَّرُورِيَّ أَقْوَى لِأَنَّهُ لَا يُعَارَضُ.
(قَوْلُهُ: بِكَثْرَةِ الْمُتَعَلِّقَاتِ) وَالتَّفَاوُتُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute