للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَتَفَاوَتُ) الْعِلْمُ

ــ

[حاشية العطار]

أَنَّ الْقَوْلَ بِالِاتِّحَادِ لَا يُوَافِقُ تَفْسِيرَ الْحُكَمَاءِ الْعِلْمَ بِأَنَّهُ حُصُولُ الصُّورَةِ أَيْ الصُّورَةِ بِاعْتِبَارِ حُصُولِهَا بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ التَّحْقِيقُ عِنْدَهُمْ مِنْ أَنَّ الْعِلْمَ مِنْ مَقُولَةِ الْكَيْفِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ غَايَةَ الْبَيَانِ فِي حَوَاشِي الْخَبِيصِيِّ، فَإِنَّهُ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمَعْلُومِ قَطْعًا سِيَّمَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ عَيْنُ الْمَعْلُومِ وَالتَّفَاوُتُ اعْتِبَارِيٌّ، فَإِنَّهُ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهِ بِالْقُوَّةِ الْغَافِلَةِ عِلْمٌ، وَبِاعْتِبَارِهِ فِي نَفْسِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ هُوَ مَعْلُومٌ كَذَا قَالَ بَعْضُ مَنْ حَقَّقَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا.

وَفِي بَعْضِ حَوَاشِي شَرْحِ الدَّوَانِيِّ عَلَى الْعَقَائِدِ الْعَضُدِيَّةِ أَنَّ مَعْنَى الِاتِّحَادِ بِالذَّاتِ وَالتَّغَايُرِ بِالِاعْتِبَارِ فِي الْعِلْمِ وَالْمَعْلُومِ أَنَّ الْحَاصِلَ فِي الْعَقْلِ لَوْ عَرَى عَنْ اعْتِبَارِ حُصُولِهِ فِي الْعَقْلِ وَكَوْنِهِ مَوْجُودًا ظِلِّيًّا لَاتَّحَدَ مَعَ الْمَوْجُودِ الْعَيْنِيِّ الْمَعْلُومِ فَالِاعْتِبَارُ دَاخِلٌ فِي مَاهِيَةِ الْعِلْمِ، وَإِلَّا فَاخْتِلَافُهُمَا بِالْحَقِيقَةِ أَمْرٌ مَعْلُومٌ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ ظَاهِرِ كَلَامِ شَارِحِ الْإِشَارَاتِ حَيْثُ قَالَ السَّمَاءُ الْمَعْقُولُ لَيْسَ السَّمَاءَ الْمَوْجُودَ اهـ.

وَلَنِعْمَ مَا قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ الْمُخْتَارُ عِنْدِي أَنَّ الْخِلَافَ مُتَفَرِّعٌ عَلَى تَفْسِيرِ الْعِلْمِ، فَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ نَفْسُ التَّعَلُّقِ، فَلَا شَكَّ أَنَّ التَّعَلُّقَ بِهَذَا غَيْرُ التَّعَلُّقِ بِذَاكَ فَلَا يَتَعَلَّقُ عِلْمٌ وَاحِدٌ بِمَعْلُومَيْنِ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ صِفَةٌ ذَاتُ تَعَلُّقٍ، جَازَ أَنْ يَكُونَ الْعِلْمُ صِفَةً وَاحِدَةً لِتَعَدُّدِ تَعَلُّقَاتِهِ، وَكَثْرَةُ التَّعَلُّقَاتِ الْخَارِجَةِ عَنْ حَقِيقَةِ الصِّفَةِ لَا تَجْعَلُ الصِّفَةَ مُتَكَثِّرَةً فِي ذَاتِهَا تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: لَا يَتَفَاوَتُ) بَلْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمُتَوَاطِئِ لَا تَتَفَاوَتُ أَفْرَادُهُ فِي حَقِيقَتِهِ، فَالْحُكْمُ بِأَنَّ زَيْدًا أَعْلَمُ مِنْ عَمْرٍو مَثَلًا لَيْسَ التَّفَاضُلُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ حَقِيقَةُ الْعِلْمِ بَلْ مِنْ حَيْثُ الْمُتَعَلِّقَاتُ، وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ أَنَّ مِنْ جُزْئِيَّاتِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ زِيَادَةَ الْإِيمَانِ وَنُقْصَانَهُ وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّهُ يَقْبَلُهُمَا فَفِي نِسْبَةِ عَدَمِ التَّفَاوُتِ لِلْمُحَقِّقِينَ نَظَرٌ اهـ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ الزِّيَادَةَ وَالنَّقْصَ فِي الْإِيمَانِ بِحَسَبِ الْمُتَعَلِّقَاتِ وَهُوَ الْمُصَدَّقُ بِهِ، وَأَمَّا التَّصْدِيقُ فَهُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَا تَفَاوُتَ فِيهِ، قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ: إنَّ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ لَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ؛ لِأَنَّهُ التَّصْدِيقُ الْقَلْبِيُّ الَّذِي بَلَغَ حَدَّ الْجَزْمِ وَالْإِذْعَانِ، وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ زِيَادَةٌ وَلَا نَقْصٌ وَالْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى زِيَادَةِ الْإِيمَانِ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُمْ كَانُوا آمَنُوا فِي الْجُمْلَةِ، ثُمَّ يَأْتِي عَلَيْهِ فَرْضٌ بَعْدَ فَرْضٍ فَكَانُوا يُؤْمِنُونَ بِكُلِّ فَرْضٍ خَاصَّةً، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَزِيدُ بِزِيَادَةِ مَا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ، ثُمَّ قَالَ وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ حَقِيقَةَ التَّصْدِيقِ لَا تَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ بَلْ تَتَفَاوَتُ قُوَّةً وَضَعْفًا لِلْقَطْعِ بِأَنَّ تَصْدِيقَ آحَادِ الْأُمَّةِ لَيْسَ كَتَصْدِيقِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وَلِهَذَا قَالَ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي. اهـ.

فَإِيرَادُ النَّاصِرِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى الْأَخِيرِ فَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُحَقِّقِينَ هُنَا الْمُحَقِّقُونَ فِي الْأُصُولِ وَذَاكَ قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الْجَوَابُ ضَعِيفًا جِدًّا.

وَأَجَابَ الْكَمَالُ بِأَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّ الْعِلْمَ لَا يَتَفَاوَتُ قَائِلٌ بِأَنَّ الْإِيمَانَ الَّذِي هُوَ التَّصْدِيقُ الْمَخْصُوصُ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ وَالْمُصَنِّفُ تَابِعٌ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي النَّقْلِ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَائِلٌ بِأَنَّ الْإِيمَانَ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ وَهُوَ خِلَافُ الْمُتَصَوِّرِ لِأَصْحَابِنَا اهـ.

وَلَكِنَّ الَّذِي فِي الْخَيَالِيِّ عَلَى الْعَقَائِدِ أَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ يَقُولُ بِالزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ فَلْيُحَرَّرْ النَّقْلُ، ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّصْدِيقِ الَّذِي هُوَ مُسَمَّى الْإِيمَانِ هُوَ التَّصْدِيقُ الْمَنْطِقِيُّ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ، فَيَكُونُ مِنْ جِنْسِ الْعُلُومِ لَكِنَّهُ مَشْرُوطٌ بِقُيُودٍ وَخُصُوصِيَّاتٍ كَالتَّحْصِيلِ وَالِاخْتِيَارِ وَتَرْكِ الْجُحُودِ وَالِاسْتِكْبَارِ وَيَدُلُّ لَهُ مَا ذَكَرَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّ الْإِيمَانَ مَعْرِفَةٌ وَالْمَعْرِفَةَ تَسْلِيمٌ وَالتَّسْلِيمَ تَصْدِيقٌ.

وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: الْمُعْتَبَرُ فِي الْإِيمَانِ هُوَ التَّصْدِيقُ الِاخْتِيَارِيُّ وَمَعْنَاهُ نِسْبَةُ الصِّدْقِ إلَى الْمُتَكَلِّمِ اخْتِيَارًا، وَبِهَذَا الْقَيْدِ يَمْتَازُ عَنْ التَّصْدِيقِ الْمَنْطِقِيِّ الْمُقَابِلِ لِلتَّصَوُّرِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَخْلُو عَنْ الِاخْتِيَارِ كَمَا إذَا ادَّعَى النُّبُوَّةَ وَأَظْهَرَ الْمُعْجِزَةَ فَوَقَعَ فِي الْقَلْبِ صَدَّقَهُ ضَرُورَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْسُبَهُ إلَيْهِ اخْتِيَارًا، فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ فِي اللُّغَةِ: إنَّهُ صَدَّقَهُ فَلَا يَكُونُ إيمَانًا شَرْعًا، كَيْفَ وَالتَّصْدِيقُ مَأْمُورٌ بِهِ فَيَكُونُ فِعْلًا اخْتِيَارِيًّا زَائِدًا عَلَى الْعِلْمِ لِكَوْنِهِ كَيْفِيَّةً نَفْسَانِيَّةً أَوْ انْفِعَالًا وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>