للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُسَمَّى الْجَهْلُ الْبَسِيطُ أَوْ أُدْرِكَ عَلَى خِلَافِ هَيْئَتِهِ فِي الْوَاقِعِ وَيُسَمَّى الْجَهْلُ الْمُرَكَّبُ؛ لِأَنَّهُ جَهْلُ الْمُدْرِكِ بِمَا فِي الْوَاقِعِ مَعَ الْجَهْلِ بِأَنَّهُ جَاهِلٌ بِهِ كَاعْتِقَادِ الْفَلَاسِفَةِ أَنَّ الْعَالَمَ قَدِيمٌ.

(وَقِيلَ) الْجَهْلُ (تَصَوُّرُ الْمَعْلُومِ) أَيْ إدْرَاكُ

ــ

[حاشية العطار]

فَأَكْثَرَ وَإِلَّا لَكَانَ مَفْهُومُ التَّعْرِيفَيْنِ انْتِفَاءَ الْعِلْمِ بِكُلِّ مَقْصُودٍ وَتَصَوُّرُ كُلِّ مَعْلُومٍ عَلَى خِلَافِ هَيْئَتِهِ فَلَا يَتَنَاوَلَانِ إلَّا النَّزْرَ مِنْ أَفْرَادِ الْجَهْلِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ لَمْ يُدْرِكْ أَصْلًا) تَفْسِيرٌ لِانْتِفَاءِ الْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ عَلَى وَجْهٍ يَظْهَرُ بِهِ تَنَاوُلُهُ لِتَسَمِّي الْجَهْلِ أَعْنِي الْبَسِيطَ وَالْمُرَكَّبَ وَقَصْرُ التَّعْرِيفِ الثَّانِي عَلَى الْمُرَكَّبِ فَقَطْ، فَقَوْلُهُ: انْتِفَاءُ الْعِلْمِ إلَخْ أَمْرٌ كُلِّيٌّ يَنْدَرِجُ تَحْتَهُ الْقِسْمَانِ.

وَقَدْ بَيَّنَهُمَا الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ بِأَنْ لَمْ يُدْرِكْ إلَخْ أَوْ أَدْرَكَ، وَهَذَا الْأَمْرُ الْكُلِّيُّ وَقَعَ مَحْمُولًا عَلَى الْجَهْلِ فَيَكُونُ الْجَهْلُ شَامِلًا لِلْقِسْمَيْنِ وَصَادِقًا عَلَيْهِمَا صِدْقَ الْكُلِّيِّ عَلَى أَفْرَادِهِ وَلَا يَضُرُّ شُمُولُ هَذَا الْمَفْهُومِ لِلْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ الْمُشَارِ لَهُ بِقَوْلِهِ: أَوْ أَدْرَكَ إلَخْ فَانْدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي شَرْحِهِ مِنْ أَنَّ الْمَعْرُوفَ تَقْسِيمُ الْجَهْلِ إلَى بَسِيطٍ وَمُرَكَّبٍ لَا نَقْلَ خِلَافٍ فِي تَعْرِيفِهِمَا وَمَا أَوْرَدَهُ النَّاصِرُ مِنْ أَنَّ الْإِدْرَاكَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ فَكَيْفَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ انْتِفَاءُ الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ عَدَمِيٌّ اهـ.

فَإِنَّ مَبْنَى الْإِيرَادِ عَلَى أَنَّ الِانْتِفَاءَ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِدْرَاكِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ يَصْدُقُ الِانْتِفَاءُ عَلَيْهِ تَحَقُّقُهُ فِيهِ تَحَقُّقَ الْكُلِّيِّ فِي أَفْرَادِهِ، نَعَمْ لَوْ حُمِلَ عَلَيْهِ وَقِيلَ: الْإِدْرَاكُ انْتِفَاءٌ إلَخْ اتَّجَهَ مَا ذَكَرَهُ وَلَا حَمْلَ هَاهُنَا وَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ لِمَا أَجَابَ بِهِ مِنْ جَوَازِ حَمْلِ الْعَدَمِيِّ عَلَى الْوُجُودِيِّ كَمَا فِي قَوْلِك: الْبَيَاضُ لَا سَوَادَ نَاقِلًا لَهُ عَنْ السَّيِّدِ فِي حَوَاشِي الْمُطَوَّلِ دَافِعًا بِهِ إشْكَالَ التَّفْتَازَانِيِّ تَفْسِيرَ الْفَصَاحَةِ بِالْخُلُوصِ بِأَنَّهَا وُجُودِيَّةٌ وَالْخُلُوصُ عَدَمِيٌّ وَلَا يَجُوزُ حَمْلُ الْعَدَمِيِّ عَلَى الْوُجُودِيِّ وَلِمَا لَا تَكَلَّفَهُ سم فِي جَوَابِهِ بِمَا لَا يَخْلُو مَعَ طُولِهِ مِنْ سَقَامَةٍ وَمَا سَلَكَهُ مِنْ نَقْلِ كَلَامِ مَنْ تَعَسَّفَ.

(قَوْلُهُ: وَيُسَمَّى الْجَهْلُ الْبَسِيطُ) التَّقَابُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِلْمِ تَقَابُلُ الْعِلْمِ وَالْمَلَكَةِ وَالتَّقَابُلُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ تَقَابُلُ التَّضَادِّ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وُجُودِيٌّ.

وَقَالَ الْكَثِيرُ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ: إنَّ الْجَهْلَ الْمُرَكَّبَ مُمَاثِلٌ لِلْعِلْمِ فَامْتِنَاعُ الِاجْتِمَاعِ بَيْنَهُمَا أَنَّهُمَا هُوَ لِلْمُمَاثَلَةِ لَا لِلْمُضَادَّةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُمَيَّزَ بَيْنَهُمَا لَيْسَ إلَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُتَعَلِّقِ وَهِيَ الْمُطَابِقَةُ وَعَدَمُ الْمُطَابَقَةِ وَالنِّسْبَةُ لَا تَدْخُلُ فِي حَقِيقَةِ الْمُنْتَسِبِينَ؛ لِأَنَّهَا مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ طَرَفَيْهِمَا فَتَكُونُ خَارِجَةً عَنْهُمَا وَالِامْتِيَازُ بِالْأُمُورِ الْخَارِجِيَّةِ لَا يُوجِبُ الِاخْتِلَافَ بِالذَّاتِ وَحَيْثُ لَا اخْتِلَافَ إلَّا بِهَذَا الْوَجْهِ لَزِمَ اشْتِرَاكُهُمَا فِي تَمَامِ الْمَاهِيَةِ فَيَكُونَانِ مُتَمَاثِلَيْنِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.

(قَوْلُهُ: أَوْ أَدْرَكَ عَلَى خِلَافِ هَيْئَتِهِ فِي الْوَاقِعِ) يَشْمَلُ ظَنَّ الْمُجْتَهِدِ الْغَيْرِ الْمُطَابِقِ فَيَكُونُ جَهْلًا مُرَكَّبًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مَحْذُوفَ فِي تَسَلُّمِ ذَلِكَ وَلَا يُنَافِيهِ تَرَتُّبُ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِمُوجِبِهِ فِي حَقِّهِ وَالْعِلْمُ بِأَنَّ هَذَا حُكْمُ اللَّهِ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ ظَاهِرِ الْأَمَارَاتِ الَّتِي اسْتَنَدَ إلَيْهَا وَالْكَلَامُ هُنَا بِاعْتِبَارِ الْوَاقِعِ نَعَمْ قَوْلُ الْمَوَاقِفِ وَالْمَحْصُولِ وَغَيْرِهِمَا فِي الْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ أَنَّهُ الِاعْتِقَادُ الْجَازِمُ الْغَيْرُ الْمُطَابِقُ يُخْرِجُ الظَّنَّ أَفَادَهُ سم.

وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْكَلَامِ مِنْ الشَّنَاعَةِ الْقَوِيَّةِ فَالْحَقُّ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ وَهُوَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَشْعَرِيُّ وَجُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ كَالْقَاضِي وَطَائِفَةٍ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ كَأَبِي الْهُذَيْلِ وَالْجُبَّائِيِّ وَابْنِهِ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ مَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُ الْمُجْتَهِدِ يَكُونُ ظَنُّ كُلِّ مُجْتَهِدٍ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ، وَلَكِنَّ الْمُخْتَارَ خِلَافُهُ وَهُوَ أَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَ اللَّهِ وَاحِدٌ فَيَكُونُ الْمُصِيبُ وَاحِدًا لَا بِعَيْنِهِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ إمَامُنَا الشَّافِعِيُّ وَالْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ الْحُكْمُ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ.

وَلَكِنَّ هَذَا مُجَرَّدُ احْتِمَالٍ جَارٍ فِي سَائِرِ الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ الظَّنِّيَّةِ وَمِثْلُهُ لَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ جَعْلُ الْحُكْمِ الظَّنِّيِّ الِاجْتِهَادِيِّ مِنْ أَفْرَادِ الْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ عَدَمَ مُطَابَقَتِهِ لِلْوَاقِعِ بَلْ ذَاكَ تَجْوِيزٌ عَقْلِيٌّ. وَفَرَّقَ بَيْنَ الْعِلْمِ بِعَدَمِ الْمُطَابَقَةِ اللَّازِمِ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ وَعَدَمِ الْعِلْمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>