لِإِخْرَاجِ الْجَمَادِ وَالْبَهِيمَةِ عَنْ الِاتِّصَافِ بِالْجَهْلِ؛ لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْعِلْمِ إنَّمَا يُقَالُ فِيمَا مَنْ شَأْنُهُ الْعِلْمُ بِخِلَافِ عَدَمِ الْعِلْمِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ الْمَقْصُودُ مَا لَا يُقْصَدُ كَأَسْفَلِ الْأَرْضِ وَمَا فِيهِ فَلَا يُسَمَّى انْتِفَاءُ الْعِلْمِ بِهِ جَهْلًا، وَاسْتِعْمَالُهُ التَّصَوُّرَ بِمَعْنَى مُطْلَقِ الْإِدْرَاكِ خِلَافُ مَا سَبَقَ صَحِيحٌ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَيُقْسَمُ حِينَئِذٍ إلَى تَصَوُّرٍ سَاذَجٍ أَيْ لَا حُكْمَ مَعَهُ وَإِلَى تَصَوُّرٍ مَعَهُ حُكْمٌ
ــ
[حاشية العطار]
الشَّارِحِ فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِ سم وَلَا يَخْفَى إلَخْ، فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ سَوْقِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّهُ فُهِمَ مِنْ كَلَامِ النَّاصِرِ الِاعْتِرَاضُ فَأَشَارَ بِهَا إلَى أَنَّ الشَّارِحَ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ نَاقِلُ عِبَارَةِ الْغَيْرِ فَاعْتِرَاضُ النَّاصِرِ يَتَوَجَّهُ عَلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ فَقَدْ أَخْرَجَ الْكَلَامَ عَنْ مَوْضُوعِهِ وَفُهِمَ مِنْهُ خِلَافُ مَا هُوَ الْغَرَضُ، فَكَانَ اللَّائِقُ أَنْ يَحْذِفَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ وَيَقْتَصِرَ عَلَى مَا زَادَهُ عَلَى النَّاصِرِ مِنْ التَّوْجِيهِ، فَقَوْلُ مَنْ قَالَ رَادًّا عَلَى الْمُتَعَقِّبِ.
وَمِنْ الْمَصَائِبِ أَنَّ بَعْضَ مَنْ طَمَسَتْ غِشَاوَةُ التَّعَصُّبِ بَصِيرَتَهُ فَهِمَ أَنَّهُ تَعْقِيبٌ لِمَا قَالَهُ النَّاصِرُ وَقَالَ: إنَّ كَلَامَ سم كَلَامُ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ مَوَاقِعَ الْكَلَامِ فَانْظُرُوا مَنْ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ مَوَاقِعَ الْكَلَامِ وَاعْجَبُوا مِنْ اجْتِرَاءِ هَذَا الرَّجُلِ عَلَى ذَلِكَ الْإِمَامِ اهـ.
خُرُوجٌ عَمَّا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ وَمَحْضُ تَشْنِيعٍ فِي الْمَقَالِ، وَمِثْلُهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْتَكِبَهُ فُحُولُ الرِّجَالِ، فَإِنَّهُ عُدُولٌ عَنْ الْإِنْصَافِ إلَى سُلُوكِ طَرِيقِ الِاعْتِسَافِ وَقَوْلُ ذَلِكَ الْقَائِلِ: إنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ فَهِمَ أَنَّ كَلَامَ سم تَعَقَّبَ لِلنَّاصِرِ وَهْمٌ، فَإِنَّهُ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ إلَّا أَنَّ فَحْوَى الْخِطَابِ تُفِيدُ أَنَّهُ فَهِمَ مِنْ كَلَامِ سم الِانْتِصَارَ لِلشَّارِحِ بِنَاءً عَلَى مَا فَهِمَهُ مِنْ كَلَامِ النَّاصِرِ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: لِإِخْرَاجِ الْجَمَادِ) مُتَعَلِّقٌ بِالتَّقْيِيدِ وَكَمَا يَخْرُجُ الْجَمَادُ وَالْبَهِيمَةُ يَخْرُجُ النَّائِمُ وَالْغَافِلُ وَنَحْوُهُمَا، فَإِنَّهُمْ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِمْ الْعِلْمُ.
(قَوْلُهُ: كَأَسْفَلِ الْأَرْضِ وَمَا فِيهِ) أَيْ فِي الْأَسْفَلِ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْإِنْسِ دُونَ الْجِنِّ وَمِثْلُهُ مَا فَوْقَ السَّمَوَاتِ وَمَا فِيهَا.
(قَوْلُهُ: وَاسْتِعْمَالٌ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ: صَحِيحٌ وَقَوْلُهُ: خِلَافُهُ إلَخْ حَالٌ، وَحَاصِلُ مَا قَالَهُ إنَّ الْمُرَادَ بِالتَّصَوُّرِ التَّصَوُّرُ الْمُطْلَقُ الْمُرَادِفُ لِلْعِلْمِ الصَّادِقُ بِالتَّصَوُّرِ السَّاذَجِ، وَالتَّصْدِيقُ لَا التَّصَوُّرُ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ الْمُقَابِلِ لِلتَّصْدِيقِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَيَنْقَسِمُ حِينَئِذٍ أَيْ حِينَ إذْ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى مُطْلَقِ الْإِدْرَاكِ إلَى تَصَوُّرٍ سَاذَجٍ إلَخْ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ الْجَهْلُ اعْتِقَادٌ جَازِمٌ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِقُصُورِهِ عَلَى التَّصْدِيقِ وَقَوْلُهُ: خِلَافُ مَا سَبَقَ أَيْ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ فِي التَّصَوُّرِ السَّاذَجِ خَاصَّةً، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ لِلتَّصَوُّرِ اسْتِعْمَالَيْنِ وَإِنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي مُطْلَقِ التَّصَوُّرِ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى اسْتِعْمَالِهِ فِي التَّصَوُّرِ السَّاذَجِ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَا فِي الشَّرْحِ هُنَا هُوَ بِمَعْنَى مَا فِي طَالِعَةِ الشَّمْسِيَّةِ وَلِلسَّرَّاجِ وَالْحَوَاشِي هُنَاكَ كَلَامٌ كَثِيرٌ لَمْ يَخُصَّنَا هُنَا وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ عَلَى أَنَّهُ سَبْقُ شَيْءٍ يَتَعَلَّقُ بِمَا هُنَا، وَتَكَلَّمْنَا هُنَاكَ بِمَا فِيهِ مُقْنِعٌ وَالنَّاصِرُ لِشَغَفِهِ بِالِاعْتِرَاضِ لَخَّصَ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرُوهُ هُنَاكَ وَذَكَرَهُ هُنَا وَتَكَلَّمَ مَعَهُ سم وَمَنْ تَأَخَّرَ بَعْدَهُ أَيْضًا وَالْكُلُّ مُسْتَمَدٌّ مِنْ مَوَادِّ ذَلِكَ الْكِتَابِ.
فَمَنْ أَرَادَ تَحْقِيقَ هَذَا الْمَبْحَثَ فَلْيَرْجِعْ إلَيْهِ، وَمَسْأَلَةُ تَقْسِيمِ الْعِلْمِ إلَى التَّصَوُّرِ وَالتَّصْدِيقِ طَوِيلَةُ الذَّيْلِ حَتَّى إنَّ الْقُطْبَ الرَّازِيَّ أَفْرَدَهَا