(خِلَافًا لِلْقَاضِي) أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ فِي قَوْلِهِ بِالثَّانِي فَعِنْدَهُ الْمَنْدُوبُ وَالْمَكْرُوهُ وَبِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِخِلَافِ الْأَوْلَى مُكَلَّفٌ بِهَا كَالْوَاجِبِ وَالْحَرَامِ، وَزَادَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ عَلَى ذَلِكَ الْمُبَاحَ فَقَالَ: إنَّهُ مُكَلَّفٌ بِهِ مِنْ حَيْثُ اعْتِقَادُ إبَاحَتِهِ تَتْمِيمًا لِلْأَقْسَامِ وَإِلَّا فَغَيْرُهُ مِثْلُهُ فِي وُجُوبِ الِاعْتِقَادِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُبَاحَ لَيْسَ بِجِنْسٍ لِلْوَاجِبِ) وَقِيلَ: إنَّهُ جِنْسٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُمَا مَأْذُونٌ فِي فِعْلِهِمَا وَاخْتَصَّ الْوَاجِبَ بِفَصْلِ الْمَنْعِ مِنْ التَّرْكِ قُلْنَا وَاخْتَصَّ الْمُبَاحَ أَيْضًا بِفَصْلِ الْإِذْنِ فِي التَّرْكِ عَلَى السَّوَاءِ
ــ
[حاشية العطار]
الْمُبَاحُ مُكَلَّفًا بِهِ مَا صَحَّ أَنَّ التَّكْلِيفَ إلْزَامُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَا إلْزَامَ فِيهِ فَيَكُونُ التَّعْرِيفُ غَيْرَ جَامِعٍ اهـ.
وَيَرِدُ عَلَيْهِ التَّكْلِيفُ بِالْمُبَاحِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ إنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ وَهُوَ وَاجِبٌ فَيَكُونُ مَلْزُومًا بِهِ فَيَدْخُلُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ، فَأَمَّا التَّكْلِيفُ فَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إنَّهُ الْأَمْرُ بِمَا فِيهِ كُلْفَةٌ وَالنَّهْيُ عَمَّا فِي الِامْتِنَاعِ عَنْهُ كُلْفَةٌ، فَإِنْ جَمَعْتهمَا قُلْت: الدُّعَاءُ إلَى مَا فِيهِ كُلْفَةٌ وَعَدُّ الْأَمْرِ عَلَى النَّدْبِ وَالنَّهْيِ عَلَى الْكَرَاهَةِ مِنْ التَّكْلِيفِ وَالْأَوْجَهُ عِنْدَنَا فِي مَعْنَاهُ أَنَّهُ إلْزَامُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ، فَإِنَّ التَّكْلِيفَ يُشْعِرُ بِتَطْوِيقِ الْمُخَاطَبِ الْكُلْفَةَ مِنْ غَيْرِ خِيرَةٍ مِنْ الْمُكَلَّفِ وَالنَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ يَفْتَرِقَانِ بِتَخْيِيرِ الْمُخَاطَبِ وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ، فَإِنَّ الْخِلَافَ فِيهِ آيِلٌ إلَى الْمُنَاقَشَةِ فِي عِبَارَةِ نَعَمْ الشَّرْعُ يَجْمَعُ الْوَاجِبَ وَالنَّدْبَ وَالْحَظْرَ وَالْكَرَاهَةَ، فَأَمَّا الْإِبَاحَةُ فَلَا يَحْتَوِي عَلَيْهَا مَعْنَى التَّكْلِيفِ.
وَقَالَ الْأُسْتَاذُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّهَا مِنْ التَّكْلِيفِ وَهِيَ هَفْوَةٌ ظَاهِرَةٌ، ثُمَّ فَسَّرَ قَوْلَهُ بِأَنَّهُ يَجِبُ اعْتِقَادُ الْإِبَاحَةِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ رَدُّ الْكَلَامِ إلَى الْوَاجِبِ وَهُوَ مَعْدُودٌ مِنْ التَّكْلِيفِ وَهُوَ مُوَافِقٌ عَلَيْهِ، فَإِنْ قِيلَ: هَلْ تَعُدُّونَ الْإِبَاحَةَ مِنْ الشَّرْعِ قُلْنَا: نَعَمْ هِيَ مَعْدُودَةٌ عَلَى تَأْوِيلِ أَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِهَا اهـ. بِلَفْظِهِ.
(قَوْلُهُ: كَالْوَاجِبِ وَالْحَرَامِ) ذِكْرُهُمَا إنْ كَانَ مُتَّفِقًا عَلَيْهِمَا مَعَ أَنَّ الْمَنْدُوبَ وَالْمَكْرُوهَ بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِخِلَافِ الْأَوْلَى لِيَرْجِعَ إلَى الْأَرْبَعَةِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ.
(قَوْلُهُ: تَتْمِيمًا لِلْأَقْسَامِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ زَادَ أَوْ بِقَوْلِهِ فَقَالَ وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا، أَيْ: وَإِنْ لَمْ نَقُلْ: إنَّ زِيَادَتَهُ لِتَتْمِيمِ الْأَقْسَامِ فَلَا يَصِحُّ ذِكْرُهُ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ مِثْلُهُ فِي وُجُوبِ الِاعْتِقَادِ.
(قَوْلُهُ: إنَّ الْمُبَاحَ) لَيْسَ بِجِنْسٍ لِلْوَاجِبِ بَلْ هُوَ نَوْعَانِ لِجِنْسٍ وَهُوَ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ فَهُمَا مَفْهُومَانِ مُتَبَايِنَانِ كَالْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ، وَأَحَدُ الْمُتَبَايِنَيْنِ لَا يَصْدُقُ عَلَى الْآخَرِ، فَلَوْ كَانَ جِنْسًا لَهُ لَوَجَبَ صِدْقُهُ عَلَيْهِ كَصِدْقِ الْحَيَوَانِ عَلَى الْإِنْسَانِ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمَا مَأْذُونٌ فِي فِعْلِهِمَا) أَفَادَ هَذَا التَّعْلِيلُ أَنَّ الْمُبَاحَ وَالْوَاجِبَ انْدَرَجَا تَحْتَ أَمْرٍ كُلِّيٍّ وَهُوَ إنَّمَا يُفِيدُ أَنَّ الْإِبَاحَةَ قِسْمٌ لِلْوَاجِبِ وَلَيْسَ هُوَ الْمُدَّعِي وَالتَّعْلِيلُ الَّذِي يُفِيدُهُ هُوَ أَنَّ الْمُبَاحَ يَصْدُقُ عَلَى الْوَاجِبِ صِدْقَ الْجِنْسِ عَلَى نَوْعِهِ وَالْجَوَابُ أَنَّ مَحَطَّ التَّعْلِيلِ قَوْلُهُ: وَاخْتَصَّ الْوَاجِبُ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: بِفَصْلِ الْمَنْعِ مِنْ التَّرْكِ) أَيْ فَيَكُونُ مُنْدَرِجًا تَحْتَهُ مُمْتَازًا عَنْهُ بِهَذَا الْفَصْلِ، وَقَوْلُهُ: بِفَصْلِ الْمَنْعِ، الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ.
(قَوْلُهُ: قُلْنَا وَاخْتَصَّ الْمُبَاحَ إلَخْ) أَيْ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ جِنْسًا لَهُ وَلَا يَصِحُّ إلَّا إذَا أُخِذَ الْمُبَاحُ عَلَى عُمُومِهِ فَحَيْثُ وُجِدَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَصْلٌ مُبَايِنٌ لِلْآخَرِ كَانَا مُتَبَايِنَيْنِ تَبَايُنًا كُلِّيًّا لَا يَصْدُقُ شَيْءٌ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَهُمَا نَوْعَانِ لِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ الْمَأْذُونِ فِيهِ.
(قَوْلُهُ: عَلَى السَّوَاءِ) أَيْ حَالَةَ كَوْنِ الْمُبَاحِ الْوَاجِبَ سَوَاءً فِي