للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَالْمَكْرُوهِ (وَالْخُلْفُ لَفْظِيٌّ) أَيْ رَاجِعٌ إلَى اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى فَإِنَّ الْكَعْبِيَّ قَدْ صَرَّحَ بِمَا يُؤْخَذُ مِنْ دَلِيلِهِ مِنْ أَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ فَلَمْ يُخَالِفْ غَيْرَهُ وَمِنْ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ مِنْ حَيْثُ مَا عَرَضَ لَهُ مِنْ تَحَقُّقِ تَرْكِ الْحَرَامِ بِهِ، وَغَيْرُهُ لَا يُخَالِفُهُ فِي ذَلِكَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْإِبَاحَةَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ) إذْ هِيَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ

ــ

[حاشية العطار]

خُصُوصُهُ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُخَيَّرَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا مِنْ أُمُورٍ مُعَيَّنَةٍ لَا يُقَالُ يَكْفِي التَّعْيِينُ النَّوْعِيُّ وَهُوَ حَاصِلٌ بِكَوْنِهِ وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا أَوْ مُبَاحًا.

قُلْنَا: لَا بُدَّ فِي التَّعْيِينِ النَّوْعِيِّ مِنْ تَعْيِينِ حَقِيقَةِ الْفِعْلِ كَالصَّوْمِ وَالْإِعْتَاقِ مَثَلًا إذْ لَا يَكْفِي مُجَرَّدٌ اعْتِبَارِيٌّ مِنْ الْأَعْرَاضِ الْعَامَّةِ وَالشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا رَأَى تَوَجُّهَ الْمَنْعِ عَلَى الصُّغْرَى عَدَلَ إلَى الْأُسْلُوبِ الَّذِي ذَكَرَهُ، ثُمَّ أَنَّهُ طَوَى الصُّغْرَى وَذَكَرَ ثَلَاثَ مُقَدِّمَاتٍ تَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا الْأُولَى أَنَّ كُلَّ مُبَاحٍ يَتَحَقَّقُ بِهِ تَرْكُ حَرَامٍ.

الثَّانِيَةُ: تَرْكُ الْحَرَامِ وَاجِبٌ. الثَّالِثَةُ: مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ الشَّيْءُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ فَهُوَ الْكُبْرَى فَنَظْمُ الْقِيَاسِ عَلَى مَا قَرَّرَهُ هَكَذَا الْمُبَاحُ شَيْءٌ لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ وَكُلُّ شَيْءٍ لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ يُنْتِجُ الْمُبَاحُ وَاجِبٌ.

(قَوْلُهُ: كَالْمَكْرُوهِ) ، فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى تَرْكِهِ مُحَرَّمٌ وَمِثْلُهُ الْوَاجِبُ وَالْمَنْدُوبُ بِالْأَوْلَى قَالُوا: وَيَتَحَقَّقُ بِالْحَرَامِ أَيْضًا فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْجِهَتَانِ كَالصَّلَاةِ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ وَفِي كَوْنِ الْحَرَامِ الْمُتَلَبِّسِ بِهِ ذَا جِهَتَيْنِ تَوَقُّفٌ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّهَافُتِ، فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ حِينَئِذٍ طَلَبَ فِعْلٍ وَمَنْعٍ وَلَيْسَ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ.

فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنَّ دَرَجَاتِ الْحَرَامِ مُتَفَاوِتَةٌ كَالسُّكْرِ مَثَلًا وَالْقَتْلِ فَيُجْعَلُ الْأَوَّلُ وَسِيلَةً لِدَفْعِ الثَّانِي وَكَقُبْلَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ لِتَرْكِ الزِّنَا بِهَا مَثَلًا فَيُدْفَعُ أَشَدُّ الضَّرَرَيْنِ بِأَخَفِّهِمَا وَيَبْقَى النَّظَرُ فِيمَا إذَا تَسَاوَيَا، وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا الدَّلِيلِ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ كُلَّ مُبَاحٍ يَتَحَقَّقُ بِهِ تَرْكُ الْحَرَامِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْحَرَامِ هُوَ الْكَفُّ الْمُكَلَّفُ بِهِ فِي النَّهْيِ وَالْكَفُّ عَنْ شَيْءٍ يَقْتَضِي أَنْ يُقْصَدَ وَأَنْ يَخْطُرَ ذَلِكَ الشَّيْءُ بِالْبَالِ فَمَنْ لَمْ يَقْصِدْ الْكَفَّ عَنْ شَيْءٍ وَفَعَلَ مُبَاحًا مَثَلًا وَلَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ الْحَرَامُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ كَفٌّ فَلَا يَكُونُ آتِيًا بِتَرْكِ الْحَرَامِ الْوَاجِبِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ آثِمٍ فَاجْتِمَاعُ تَرْكِ الْحَرَامِ وَفِعْلِ الْمُبَاحِ أَوْ غَيْرِهِ غَيْرُ لَازِمٍ، وَإِنْ اجْتَمَعَا فَالْوَاجِبُ الْكَفُّ لَا مَا يُقَارِنُهُ مِنْ مُبَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَمِنْهَا أَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى وَالدَّلِيلَ فِي مُصَادَمَةِ الْإِجْمَاعِ فَلَا يُسْمَعَانِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْمُبَاحَ وَالْوَاجِبَ قِسْمَانِ مُتَبَايِنَانِ وَأَنَّ الْأَوَّلَ جَائِزُ التَّرْكِ دُونَ الثَّانِي، وَمِنْهَا أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَا هُوَ تَرْكُ الْحَرَامِ يَكُونُ وَاجِبًا وَإِنَّمَا يَكُونُ وَاجِبًا إذَا حُمِدَ فَاعِلُهُ وَذُمَّ تَارِكُهُ فَالْفِعْلُ الَّذِي زَعَمْت أَنَّهُ فِعْلُ الْمُبَاحِ وَتَرْكُ الْحَرَامِ إنْ قُصِدَ بِهِ التَّعَبُّدُ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ فِعْلُ الْمُبَاحِ؛ لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَا يُحْمَدُ فَاعِلُهُ، وَهَذَا يُحْمَدُ فَاعِلُهُ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ.

(قَوْلُهُ: وَالْخُلْفُ لَفْظِيٌّ) ظَاهِرُ تَقْرِيرِ الشَّارِحِ أَنَّهُ رَاجِعٌ لِلْخُلْفِ بَيْنَ الْكَعْبِيِّ وَغَيْرِهِ وَأَنَّ كَوْنَ الْخُلْفِ الَّذِي قَبْلَهُ لَفْظِيًّا مِمَّا أَفَادَهُ الشَّارِحُ، وَكَانَ مُسْتَنَدُهُ فِي ذَلِكَ كَوْنَ الْمُصَنِّفِ أَشَارَ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ إلَى أَنَّ الْخُلْفَ لَفْظِيٌّ فِي مَسْأَلَةِ الْكَعْبِيِّ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمِثْلِ ذَلِكَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا وَالْأَوْلَى حَمْلُ الْخُلْفِ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْخُلْفِ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ فَائِدَةً وَلَا مَانِعَ مِنْ الْحَمْلِ عَلَيْهِ قَالَهُ الْكَمَالُ.

(قَوْلُهُ: قَدْ صَرَّحَ) أَيْ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ.

(قَوْلُهُ: كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ) مِنْ هُنَا أَخَذَ سم جَوَابُهُ عَنْ بَحْثِ الْكَمَالِ السَّابِقِ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّعْبِيرُ بِالْأَصَحِّ بِمَعْنَى الْأَوْلَى وَإِلَّا إذَا كَانَ الْخِلَافُ لَفْظِيًّا لَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى.

(قَوْلُهُ: إذْ هِيَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ) أَشَارَ بِهِ مَعَ قَوْلِهِ فِي تَعْلِيلِ مُقَابِلِ الْأَصَحِّ بِقَوْلِهِ: إذْ هِيَ انْتِفَاءُ الْحَرَجِ عَنْ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ إلَى ابْتِنَاءِ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَفْسِيرِ الْإِبَاحَةِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>