للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثَوَابَ تَرْكِ مُحَرَّمَاتٍ وَيَسْقُطُ تَرْكُهَا الْوَاجِبُ بِتَرْكِ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَقِيلَ: الْمُحَرَّمُ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ مِنْهَا مُعَيَّنٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَيَسْقُطُ تَرْكُهُ الْوَاجِبُ بِتَرْكِهِ أَوْ تَرْكِ غَيْرِهِ مِنْهَا، وَقِيلَ: الْمُحَرَّمُ فِي ذَلِكَ مَا يَخْتَارُهُ الْمُكَلَّفُ لِلتَّرْكِ مِنْهَا بِأَنْ يَتْرُكَهُ دُونَ غَيْرِهِ، وَإِنْ اُخْتُلِفَ بِاخْتِلَافِ اخْتِيَارِ الْمُكَلَّفِينَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ تُرِكَتْ كُلُّهَا امْتِثَالًا أَوْ فُعِلَتْ وَهِيَ مُتَسَاوِيَةٌ أَوْ بَعْضُهَا أَخَفُّ عِقَابًا وَثَوَابًا فَقِيلَ: ثَوَابُ الْوَاجِبِ وَالْعِقَابُ فِي الْمُتَسَاوِيَةِ عَلَى تَرْكٍ وَفِعْلٍ وَاحِدٍ مِنْهَا وَفِي الْمُتَفَاوِتَةِ عَلَى تَرْكِ أَشَدِّهَا وَفِعْلِ أَخَفِّهَا سَوَاءٌ أَفُعِلَتْ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا وَقِيلَ: الْعِقَابُ فِي الْمُرَتَّبِ عَلَى فِعْلِ آخِرِهَا تَفَاوَتَتْ أَوْ تَسَاوَتْ لِارْتِكَابِ الْحَرَامِ بِهِ، وَيُثَابُ ثَوَابَ الْمَنْدُوبِ عَلَى تَرْكِ كُلٍّ مِنْ غَيْرِ مَا ذُكِرَ تَرْكُهُ لِثَوَابِ الْوَاجِبِ وَلِتَحْقِيقِ أَنَّ ثَوَابَ الْوَاجِبِ وَالْعِقَابَ عَلَى تَرْكِ وَفِعْلِ أَحَدِهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا، حَتَّى أَنَّ الْعِقَابَ فِي الْمُرَتَّبِ عَلَى آخِرِهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا وَيُثَابُ ثَوَابَ الْمَنْدُوبِ عَلَى تَرْكِ كُلٍّ مِنْ غَيْرِ مَا يَتَأَدَّى بِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ مِنْهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا (وَقِيلَ) زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي الْمُخَيَّرِ مِنْ طَرَفِ الْمُعْتَزِلَةِ (لَمْ تَرِدْ بِهِ) أَيْ بِتَحْرِيمِ مَا ذُكِرَ (اللُّغَةُ) حَيْثُ لَمْ تَرِدْ بِطَرِيقَةٍ مِنْ النَّهْيِ عَنْ وَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ كَمَا وَرَدَتْ بِالْأَمْرِ بِوَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ وقَوْله تَعَالَى {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: ٢٤] نَهْيٌ عَنْ طَاعَتِهِمَا إجْمَاعًا قُلْنَا الْإِجْمَاعُ

ــ

[حاشية العطار]

وَهِيَ مُتَسَاوِيَةٌ) حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْفِعْلَيْنِ قَبْلَهُ قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَوَارُدُ عَامِلَيْنِ عَلَى مَعْمُولٍ وَاحِدٍ وَدَعْوَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّنَازُعِ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ فِي الْحَالِ لِاقْتِضَائِهِ إلَى الْإِضْمَارِ وَالْحَالُ لَا يَكُونُ ضَمِيرًا فَالْأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ فُعِلَتْ وَحُذِفَ مِثْلُهَا مِنْ قَوْلِهِ تُرِكَتْ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْحَذْفِ مِنْ الْأَوَائِلِ لِدَلَالَةِ الثَّوَانِي.

(قَوْلُهُ: عِقَابًا وَثَوَابًا) نَشْرٌ عَلَى غَيْرِ تَرْتِيبِ اللَّفِّ مِنْ قَوْلِهِ ثَوَابُ الْوَاجِبِ وَالْعِقَابُ، وَكَذَا قَوْلُهُ: عَلَى تَرْكِ أَشَدِّهَا وَفِعْلِ أَخَفِّهَا.

(قَوْلُهُ: سَوَاءٌ فُعِلَتْ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا) رَاجِعٌ لِقِسْمَيْ الْمُتَسَاوِيَةِ وَالْمُتَفَاوِتَةِ وَلَمْ يَزِدْ أَوْ تُرِكَتْ؛ لِأَنَّ التَّرْكَ لَا تَرْتِيبَ فِيهِ.

(قَوْلُهُ: عَلَى فِعْلِ آخِرِهَا) هَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْوَاجِبُ الْمُخَيَّرُ.

(قَوْلُهُ: لِارْتِكَابِ الْحَرَامِ بِهِ) أَيْ دُونَ مَا قَبْلَهُ إذْ الْفَرْضُ أَنَّ الْمُحَرَّمَ وَاحِدٌ مِنْهَا لَا بِعَيْنِهِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِالْأَخِيرِ.

(قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا) أَيْ مِنْ خُصُوصِ كَوْنِهِ آخِرَهَا وَأَشَدَّهَا.

(قَوْلُهُ: وَقِيلَ زِيَادَةٌ) أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ فِي التَّلْخِيصِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ أَنْكَرَ مُعْظَمُ الْمُعْتَزِلَةِ النَّهْيَ عَنْ شَيْئَيْنِ عَلَى التَّخْيِيرِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَبُحَ أَحَدُهُمَا قَبُحَ الْآخَرُ اهـ. زَكَرِيَّا.

ثُمَّ إنَّ هَذَا اخْتِلَافٌ فِي الْوُقُوعِ وَعَدَمِهِ لَا فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ.

(قَوْلُهُ: لَمْ تَرِدْ بِطَرِيقَةٍ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْمُرَادَ بِوُرُودِ اللُّغَةِ بِطَرِيقَةٍ أَيْ بِصِيغَةٍ لَا وُرُودِهَا بِهِ نَفْسِهِ فَلَا يَرِدُ أَنْ يُقَالَ: لَا بَحْثَ لِلُّغَةِ عَنْ تَحْرِيمٍ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ وَظَائِفِ الشَّرِيعَةِ وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ يَعْنِي لَمْ تَرِدْ بِطَرِيقَةِ اللُّغَةِ؛ لِأَنَّ التَّعْبِيرَ بِالْحَيْثِيَّةِ يَقْتَضِي أَنَّ عَدَمَ وُرُودِهَا بِطَرِيقَةٍ عِلَّةٌ لِعَدَمِ وُرُودِهَا بِالتَّحْرِيمِ إذْ الْأَقْرَبُ هُنَا مِنْ مَعَانِي الْحَيْثِيَّةِ التَّعْلِيلُ لَا أَنَّهُ مَعْنَى وُرُودِهَا بِالتَّحْرِيمِ.

(قَوْلُهُ: عَلَى مَا فِي الْمُخَيَّرِ) أَيْ الْأَقْوَالُ الَّتِي فِي الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ.

(قَوْلُهُ: مِنْ النَّهْيِ) أَيْ اللَّفْظِيِّ بَيَانٌ لِطَرِيقَةٍ.

(قَوْلُهُ: وقَوْله تَعَالَى) جَوَابٌ مِنْ طَرَفِ هَذَا الْقَائِلِ عَمَّا أُورِدَ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَتْ اللُّغَةُ بِطَرِيقِ ذَلِكَ، فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: ٢٤] صِيغَةُ نَهْيٍ عَنْ طَاعَةِ وَاحِدٍ مِنْ شَيْئَيْنِ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ طَرِيقًا لِذَلِكَ لَوْ كَانَ نَهْيًا عَنْ طَاعَةِ وَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْهُمَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ نَهْيٌ عَنْ طَاعَتِهِمَا إجْمَاعًا.

وَقَدْ رَدَّ الشَّارِحُ هَذَا الْجَوَابَ بِقَوْلِهِ قُلْنَا: الْإِجْمَاعُ إلَخْ وَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ يُفْهَمُ مِنْهَا النَّهْيُ عَنْ وَاحِدٍ مُبْهَمٍ فَهِيَ طَرِيقَةٌ لِذَلِكَ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ صَرْفُهَا عَنْ ظَاهِرِهَا بِإِجْمَاعٍ، فَقَدْ ثَبَتَ وُرُودُ اللُّغَةِ بِذَلِكَ الطَّرِيقِ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ مَنَعَ مِنْ حَمْلِهَا عَلَى مَعْنَاهَا الْأَصْلِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>