أَيْ يُقْصَدُ حُصُولَهُ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يُنْظَرُ إلَى فَاعِلِهِ إلَّا بِالتَّبَعِ لِلْفِعْلِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِدُونِ فَاعِلٍ فَيَتَنَاوَلُ مَا هُوَ دِينِيٌّ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَدُنْيَوِيٌّ كَالْحِرَفِ وَالصَّنَائِعِ وَخَرَجَ فَرْضُ الْعَيْنِ فَإِنَّهُ مَنْظُورٌ بِالذَّاتِ إلَى فَاعِلِهِ حَيْثُ قَصَدَ حُصُولَهُ مِنْ كُلِّ عَيْنٍ أَيْ وَاحِدٍ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ أَوْ مِنْ عَيْنٍ مَخْصُوصَةٍ كَالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا فُرِضَ عَلَيْهِ دُونَ أُمَّتِهِ وَلَمْ يُقَيِّدْ قَصْدَ الْحُصُولِ بِالْجَزْمِ احْتِرَازًا عَنْ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ تَمْيِيزُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ عَنْ فَرْضِ الْعَيْنِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِمَا ذُكِرَ.
(وَزَعَمَهُ) أَيْ فَرْضُ الْكِفَايَةِ (الْأُسْتَاذُ) أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ (وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَأَبُوهُ) الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ (أَفْضَلَ مِنْ) فَرْضِ (الْعَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ يُصَانُ لِقِيَامِ الْبَعْضِ بِهِ الْكَافِي فِي الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَتِهِ جَمِيعَ الْمُكَلَّفِينَ عَنْ الْإِثْمِ الْمُرَتَّبِ عَلَى تَرْكِهِمْ لَهُ وَفَرْضُ الْعَيْنِ إنَّمَا يُصَانُ بِالْقِيَامِ بِهِ عَنْ الْإِثْمِ الْقَائِمِ بِهِ فَقَطْ وَالْمُتَبَادَرُ إلَى الْأَذْهَانِ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ فِيمَا عَلِمْت أَنَّ فَرْضَ الْعَيْنِ أَفْضَلُ لِشِدَّةِ اعْتِنَاءِ الشَّارِعِ بِهِ بِقَصْدِ حُصُولِهِ مِنْ كُلِّ مُكَلَّفٍ
ــ
[حاشية العطار]
بِالْأَصَالَةِ وَالْأَوَّلِيَّةِ إلَى الْفَاعِلِ بَلْ بِالتَّبَعِ.
(قَوْلُهُ: فِي الْجُمْلَةِ) هُوَ بِمَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ بِالذَّاتِ إلَى الْفَاعِلِ وَلَعَلَّ فَائِدَةَ قَوْلِ الشَّارِحِ أَنْ يَقْصِدَ حُصُولَهُ فِي الْجُمْلَةِ مَعَ كَوْنِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَوْضَحَ مِنْهَا الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ عِبَارَةَ مَنْ قَالَ: يُقْصَدُ حُصُولُهُ فِي الْجُمْلَةِ بِمَعْنَى عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ.
(قَوْلُهُ: ضَرُورَةَ أَنَّهُ إلَخْ) عِلَّةٌ لِمَا بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ أَيْ إلَّا بِالتَّبَعِ، فَإِنَّهُ يُنْظَرُ لِلْفَاعِلِ.
(قَوْلُهُ: كَالْحِرَفِ وَالصَّنَائِعِ) الْعَطْفُ تَفْسِيرِيٌّ، فَإِنَّ مَعْنَاهُمَا لُغَةً الْعَمَلُ وَاصْطِلَاحًا الْمَلَكَةُ الْحَاصِلَةُ مِنْ التَّمَرُّنِ عَلَى الْعَمَلِ اهـ. زَكَرِيَّا.
(قَوْلُهُ: وَخَرَجَ) عَطْفٌ عَلَى تَنَاوَلَ.
(قَوْلُهُ: حَيْثُ قَصَدَ إلَخْ) تَعْلِيلٌ (قَوْلُهُ: أَيْ وَاحِدٌ) إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَيْنِ الذَّاتُ.
(قَوْلُهُ: كَالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أُدْخِلَتْ الْكَافُ آلَةً فِيمَا فُرِضَ عَلَيْهِمْ بِخُصُوصِهِمْ وَلَا يَصِحُّ مَا قِيلَ: إنَّهَا أَدْخَلَتْ خُزَيْمَةَ، فَإِنَّ شَهَادَتَهُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي فَرْضِ الْعَيْنِ وَمَا يُقَالُ: إنَّهَا قَدْ تَكُونُ فَرْضَ عَيْنٍ إذَا تَعَيَّنَتْ يُرَدُّ بِأَنَّ هَذَا عَارِضٌ وَالْأَصْلُ فِيهَا غَيْرُ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: احْتِرَازًا) عِلَّةً لِلْمَنْفِيِّ أَعْنِي قَوْلَهُ بِقَيْدٍ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ الْغَرَضَ عِلَّةٌ لِلنَّفْيِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ إلَخْ) يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ التَّعْرِيفَ حِينَئِذٍ يَكُونُ غَيْرَ مَانِعٍ لِعَدَمِ تَمْيِيزِهِ الْمُعَرَّفَ عَنْ جَمِيعِ مَا عَدَاهُ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ جَرَى عَلَى طَرِيقَةِ الْمُتَقَدِّمِينَ الْمُجَوِّزِينَ لِلتَّعْرِيفِ بِالْأَعَمِّ وَاشْتِرَاطُ الِاطِّرَادِ وَالِانْعِكَاسِ طَرِيقَةُ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يُقَالُ مَا الْمَانِعُ مِنْ زِيَادَةٍ جَزْمًا وَيَكُونُ الْفَرْضُ تَمْيِيزَ فَرْضِ الْكِفَايَةِ عَنْ جَمِيعِ مَا عَدَاهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: يَمْنَعُ مِنْهُ عَدَمُ صِحَّةِ الْحَوَالَةِ فِيمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ، وَسُنَّةُ الْكِفَايَةِ كَفَرْضِهَا وَمِنْ جُمْلَةِ مَا شُبِّهَ بِهِ التَّعْرِيفُ وَهُوَ لَا يَصِحُّ فِي جَانِبِ سُنَّةِ الْكِفَايَةِ عَلَى هَذَا الْفَرْضِ.
(قَوْلُهُ: أَيْ فَرْضَ الْكِفَايَةِ) أَرْجَعَ الشَّارِحُ الضَّمِيرَ لِفَرْضِ الْكِفَايَةِ؛ لِأَنَّهُ نَصُّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدُ: لِأَنَّهُ يُصَانُ بِقِيَامِ الْبَعْضِ بِهِ إلَخْ إشَارَةً لِمَا قَالَهُ الشَّمْسُ الْبِرْمَاوِيُّ تَبَعًا لِشَيْخِهِ الزَّرْكَشِيّ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَدْ وَهَمَ فِي نَقْلِهِ عَنْ الْأُسْتَاذِ وَالْإِمَامِ وَابْنِهِ أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ أَفْضَلُ مِنْ فَرْضِ الْعَيْنِ وَأَنَّ صَوَابَ النَّقْلِ عَنْهُمْ أَنَّ الْقِيَامَ بِهِ أَفْضَلُ كَمَا وَقَعَ فِي عِبَارَاتِهِمْ لَا أَنَّهُ نَفْسُهُ أَفْضَلُ.
قَالَ الْكَمَالُ وَلَك أَنْ تَقُولَ لَمْ يَهُمَّ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ هُوَ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الطَّلَبِ الْجَازِمِ وَمُتَعَلِّقُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَهُوَ الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ كَالْجِهَادِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْقِيَامُ بِهِ فِعْلٌ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ وَوَصَفَهُ بِالْأَفْضَلِيَّةِ لِكَوْنِهِ آتِيًا بِمَا هُوَ أَفْضَلُ فَوَصْفُ الْفَرْضِ بِالْأَفْضَلِيَّةِ بِالْأَصَالَةِ وَالْقَصْدِ وَوَصْفُ الْإِتْيَانِ بِهِ بِهَا بِالتَّبَعِيَّةِ بَلْ مَا صَنَعَهُ أَجْوَدُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ مَقْصُودُ الْأَئِمَّةِ الْمَذْكُورِينَ اهـ. مُلَخَّصًا.
(قَوْلُهُ: الْكَافِي) صِفَةٌ لِقِيَامٍ وَقَوْلُهُ: عَنْ عُهْدَتِهِ أَيْ عُهْدَةِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَقَوْلُهُ: جَمِيعٌ نَائِبُ فَاعِلِ يُصَانُ، وَقَوْلُهُ: عَنْ الْإِثْمِ مُتَعَلِّقٌ بِيُصَانُ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ)