فِي الْأَغْلَبِ وَلِمُعَارَضَةِ هَذَا دَلِيلَ الْأَوَّلِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى النَّظَرِ فِيهِ بِقَوْلِهِ زَعَمَهُ، وَإِنْ أَشَارَ كَمَا قَالَ إلَى تَقْوِيَةٍ يَعْزُوهُ إلَى قَائِلِيهِ الْأَئِمَّةِ الْمَذْكُورِينَ، الْمُفِيدُ أَنَّ لِلْإِمَامِ سَلَفًا عَظِيمًا فِيهِ فَإِنَّهُ الْمَشْهُورُ عَنْهُ فَقَطْ كَمَا اقْتَصَرَ عَلَى عَزْوِهِ إلَيْهِ النَّوَوِيُّ الْأَكْثَرُ (وَهُوَ) أَيْ فَرْضُ الْكِفَايَةِ (عَلَى الْبَعْضِ وِفَاقًا لِلْإِمَامِ) الرَّازِيّ لِلِاكْتِفَاءِ بِحُصُولِهِ مِنْ الْبَعْضِ (لَا) عَلَى (الْكُلِّ خِلَافًا لِلشَّيْخِ الْإِمَامِ) وَالِدِ الْمُصَنِّفِ (وَالْجُمْهُورِ) فِي قَوْلِهِمْ: إنَّهُ عَلَى الْكُلِّ لِإِثْمِهِمْ بِتَرْكِهِ وَيَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ
ــ
[حاشية العطار]
أَيْ صَرِيحًا وَإِلَّا فَقَدْ وَقَعَ فِي كَلَامِ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأَصْحَابِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَقَدْ قَالُوا: إنَّ قَطْعَ الطَّوَافِ الْمَفْرُوضِ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ مَكْرُوهٌ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ لَا يَحْسُنُ تَرْكُ فَرْضِ الْعَيْنِ لِفَرْضِ الْكِفَايَةِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ فَرْضَ الْعَيْنِ أَفْضَلُ وَلَا يُنَافِيهِ تَقْدِيمُ إنْقَاذِ الْمُشْرِفِ عَلَى الْغَرَقِ عَلَى الصِّيَامِ فِي حَقِّ صَائِمٍ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إنْقَاذِهِ إلَّا بِالْإِفْطَارِ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّقْدِيمَ لَيْسَ لِلْأَفْضَلِيَّةِ بَلْ لِخَوْفِ الْفَوَاتِ وَهُوَ لَا يَدُلُّ عَلَيْهَا بِدَلِيلِ تَقْدِيمِ النَّفْلِ عَلَى الْفَرْضِ لِذَلِكَ كَتَقْدِيمِ خُسُوفٍ خِيفَ فِيهِ الِانْجِلَاءُ عَلَى مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَضِقْ وَقْتُهَا.
(قَوْلُهُ: فِي الْأَغْلَبِ) احْتِرَازًا عَمَّا خُصَّ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ غَيْرُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
(قَوْلُهُ: وَلِمُعَارَضَةِ هَذَا) يَعْنِي شِدَّةَ اعْتِنَاءِ الشَّارِعِ بِهِ الَّذِي هُوَ دَلِيلُ أَفْضَلِيَّةِ فَرْضِ الْعَيْنِ وَقَوْلُهُ: دَلِيلُ الْأَوَّلِ مَفْعُولُ الْمَصْدَرِ الْمُضَافِ لِاسْمِ الْإِشَارَةِ الَّذِي هُوَ الْفَاعِلُ وَدَلِيلُ الْأَوَّلِ هُوَ أَنَّهُ يُصَانُ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ كُلًّا مِنْ الدَّلِيلَيْنِ مُعَارِضٌ لِلْآخَرِ فَيَتَسَاقَطَانِ وَيَتَسَاوَى الْقَوْلَانِ وَمَا قِيلَ: إنَّ هَذَا الدَّلِيلَ أَقْوَى فَلَا يُعَارِضُهُ الضَّعِيفُ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ أَشَارَ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّهُ بِوَجْهٍ آخَرَ وَالنِّكَاتُ لَا تَتَزَاحَمُ، فَإِنَّ التَّقْوِيَةَ مِنْ حَيْثُ الْعَزْوُ لَا تُنَافِي النَّظَرَ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى إشَارَةٍ الْأُولَى وَقَوْلُهُ: كَمَا قَالَ أَيْ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ وَبَاءٌ بِعَزْوِهِ لِلسَّبَبِيَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِتَقْوِيَةٍ وَقَوْلُهُ: الْمُفِيدُ نَعْتٌ لِعَزْوِهِ.
(قَوْلُهُ: وِفَاقًا لِلْإِمَامِ الرَّازِيّ) تَبِعَ فِيهِ الْمَرَاغِيَّ وَاَلَّذِي فِي مَحْصُولِ الْإِمَامِ إنَّمَا هُوَ وُجُوبُهُ عَلَى الْكُلِّ كَمَا فَهِمَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ اهـ. زَكَرِيَّا.
وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْإِمَامَ ذَكَرَ فِي غَيْرِ الْمَحْصُولِ مَا يُخَالِفُ مَا فِيهِ.
(قَوْلُهُ: لِلِاكْتِفَاءِ بِحُصُولِهِ مِنْ الْبَعْضِ) أَيْ وَلَوْ وَجَبَ عَلَى الْكُلِّ لَمْ يَكْتَفِ بِفِعْلِ الْبَعْضِ إذْ يُسْتَبْعَدُ سُقُوطُ الْوَاجِبِ عَنْ الْمُكَلَّفِ بِفِعْلِ غَيْرِهِ وَأُجِيبَ مِنْ طَرَفِ الْجُمْهُورِ بِأَنَّ الِاكْتِفَاءَ بِفِعْلِ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ كَمَا عُلِمَ وُجُودُ الْفِعْلِ لَا ابْتِلَاءَ كُلِّ مُكَلَّفٍ كَمَا فِي فَرْضِ الْعَيْنِ وَلَا اسْتِبْعَادَ فِي سُقُوطِ الْوَاجِبِ عَنْ الْمُكَلَّفِ بِفِعْلِ غَيْرِهِ كَسُقُوطِ مَا عَلَى زَيْدٍ مِنْ الدَّيْنِ بِأَدَاءِ عُمَرَ وَعَنْهُ.
(قَوْلُهُ: لِإِثْمِهِمْ بِتَرْكِهِ) وَلِئَلَّا يَلْزَمَ التَّرْجِيحُ بِلَا مُرَجِّحٍ وَعَلَى مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الْأُمِّ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ: وَيَسْقُطُ) أَيْ الْفَرْضُ الْمُرَادُ سُقُوطُهُ لَازِمُهُ وَهُوَ الْإِثْمُ بِتَرْكِهِ.
(قَوْلُهُ: بِفِعْلِ الْبَعْضِ) أَيْ بِتَمَامِ فِعْلِهِ فَلَا يَكْفِي الشُّرُوعُ لِاحْتِمَالِ انْقِطَاعِهِ بِجُنُونٍ وَنَحْوِهِ قَالَ سم، فَإِنْ قِيلَ عَلَى قَوْلِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ وَالْجُمْهُورِ بِمَاذَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فَرْضِ الْعَيْنِ قُلْت بِسُقُوطِهِ عَنْ الْجَمِيعِ بِفِعْلِ الْبَعْضِ بِخِلَافِ فَرْضِ الْعَيْنِ وَفَرَّقَ الْكَمَالُ بِأَنَّ فَرْضَ الْعَيْنِ يُقْصَدُ فِيهِ عَيْنُ الْفَاعِلِ ابْتِلَاءً لَهُ بِتَحْصِيلِ الْفِعْلِ الْمَطْلُوبِ وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ