للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأُجِيبَ بِأَنَّ إثْمَهُمْ بِالتَّرْكِ لِتَفْوِيتِهِمْ مَا قَصَدَ حُصُولَهُ مِنْ جِهَتِهِمْ فِي الْجُمْلَةِ لَا لِلْوُجُوبِ عَلَيْهِمْ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ وَيَدُلُّ لِمَا اخْتَرْنَاهُ قَوْله تَعَالَى {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: ١٠٤] وَذَكَرَ وَالِدُهُ مَعَ الْجُمْهُورِ مُقَدَّمًا عَلَيْهِمْ قَالَ تَقْوِيَةً لَهُمْ فَإِنَّهُ أَهْلٌ لِذَلِكَ (وَالْمُخْتَارُ) عَلَى الْأَوَّلِ (الْبَعْضُ مُبْهَمٌ) إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّهُ مُعَيَّنٌ فَمَنْ قَامَ بِهِ

ــ

[حاشية العطار]

يُقْصَدُ فِيهِ حُصُولُ الْمَطْلُوبِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْفَاعِلِ إلَّا بِالتَّبَعِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْفِعْلَ لَا يُوجَدُ بِدُونِ فَاعِلٍ.

(قَوْلُهُ: وَأُجِيبَ) أَيْ مِنْ طَرَفِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ إثْمَهُمْ بِالتَّرْكِ أَيْ إثْمَ الْكُلِّ بِتَرْكِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ لِتَفْوِيتِهِمْ أَيْ تَفْوِيتِ الْكُلِّ مَا قُصِدَ حُصُولُهُ مِنْ جِهَتِهِمْ فِي الْجُمْلَةِ بِأَنْ يَقُومَ بِهِ بَعْضُهُمْ لَا لِلْوُجُوبِ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ الْحُصُولُ مَقْصُودٌ بِالذَّاتِ وَكَوْنُهُ مِنْ جِهَتِهِمْ فِي الْجُمْلَةِ مَقْصُودٌ بِالتَّبَعِ فَلَا يُخَالِفُ مَا مَرَّ فِي التَّعْرِيفِ قَالَ الْكَمَالُ يُقَالُ عَلَيْهِ مِنْ طَرَفِ الْجُمْهُورِ، وَهَذَا هُوَ الْحَقِيقُ بِالِاسْتِبْعَادِ أَعْنِي إثْمَ طَائِفَةٍ بِتَرْكِ أُخْرَى فِعْلًا كُلِّفَتْ بِهِ.

وَأَجَابَ سم بِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَأَتَّى لَوْ ارْتَبَطَ التَّكْلِيفُ فِي الظَّاهِرِ بِتِلْكَ الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى بِعَيْنِهَا وَحْدَهَا لَكِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ كِلْتَا الطَّائِفَتَيْنِ مُتَسَاوِيَتَانِ فِي احْتِمَالِ الْأَمْرِ لَهُمَا وَتَعَلُّقُهُ بِهِمَا مِنْ غَيْرِ مَزِيَّةٍ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فِي ذَلِكَ فَلَيْسَ فِي التَّأْثِيمِ الْمَذْكُورِ تَأْثِيمُ طَائِفَةٍ بِتَرْكِ أُخْرَى فِعْلًا كُلِّفَتْ بِهِ إذْ كَوْنُ الْأُخْرَى كُلِّفَتْ بِهِ غَيْرَ مَعْلُومٍ بَلْ كُلٌّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْمُكَلَّفَةُ عَلَى التَّسْوِيَةِ، بَلْ إذَا قُلْنَا بِالْمُخْتَارِ الْآتِي مِنْ أَنَّ الْبَعْضَ مُبْهَمٌ آلَ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ الْمُكَلَّفَ طَائِفَةٌ لَا بِعَيْنِهَا فَيَكُونُ الْمُكَلَّفُ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ الطَّوَائِفِ الصَّادِقِ بِكُلِّ طَائِفَةٍ عَلَى الْبَدَلِ فَجَمِيعُ الطَّوَائِفِ مُسْتَوُونَ فِي تَعَلُّقِ التَّكْلِيفِ بِهِمْ بِوَاسِطَةِ تَعَلُّقِهِ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ الْمُسْتَوِي فِيهِمْ فَلَا إشْكَالَ عَلَى هَذَا فِي إثْمِ الْجَمْعِ وَالْفَرْقُ عَلَى هَذَا بَيْنَ مُخْتَارِ الْمُصَنِّفِ وَقَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْخِطَابَ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ تَعَلَّقَ ابْتِدَاءً بِكُلِّ وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ وَعَلَى مُخْتَارِ الْمُصَنِّفِ إنَّمَا تَعَلَّقَ بِكُلٍّ بِطَرِيقِ السِّرَايَةِ مِنْ تَعَلُّقِهِ بِالْمُشْتَرَكِ.

(قَوْلُهُ: وَيَدُلُّ لِمَا اخْتَرْنَاهُ) أَيْ لِدَلَالَةِ مِنْ التَّبْعِيضِيَّةِ عَلَى ذَلِكَ فَكَأَنَّهُ قِيلَ لِيَفْعَلَ بَعْضُكُمْ وَبَحَثَ فِيهِ بِأَنَّ الْقَائِلَ بِوُجُوبِهِ عَلَى الْبَعْضِ يَكْتَفِي بِالْوَاحِدِ لِصِدْقِ الْبَعْضِ بِهِ، وَالْآيَةُ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِجَمَاعَةٍ إذْ الْأُمَّةُ الْجَمَاعَةُ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى تَمَامِ الْمُدَّعِي بَلْ عَلَى الْمُدَّعِي فِي الْجُمْلَةِ لِدَلَالَتِهَا عَلَى تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِبَعْضِ مَاصَدَقَاتِ الْبَعْضِ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَيَدُلُّ لِمَا اخْتَرْنَاهُ، مُعَبِّرًا بِاللَّامِ الدَّالَّةِ عَلَى الِاخْتِصَاصِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ مُجَاوَزَةِ الْمَقْصُورِ وَهُوَ الْآيَةُ عَنْ الْمَقْصُورِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْوُجُوبُ عَلَى الْبَعْضِ، وَإِنْ كَانَ مَقْصُورًا عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ عَلَى الْمُشْعِرَةِ بِالِاسْتِعْلَاءِ وَالْإِحَاطَةِ حُسْنًا أَوْ حُكْمًا إشَارَةً إلَى أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ اسْتِئْنَاسِيٌّ لَا يَصْلُحُ لِإِلْزَامِ الْغَيْرِ لِإِمْكَانِ الْمُعَارَضَةِ مِنْ طَرَفِ الْجُمْهُورِ بِدَلَالَتِهَا عَلَى الْوُجُوبِ عَلَى الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ خُوطِبَ الْجَمِيعُ بِالْأَمْرِ عَلَى وَجْهِ الِاكْتِفَاءِ بِفِعْلِ الْبَعْضِ، وَأَيْضًا الِاسْتِدْلَال بِالْآيَةِ وَنَحْوِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة: ١٢٢] الْآيَةُ يُؤَوَّلُ بِالسُّقُوطِ بِفِعْلِ الطَّاعَةِ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: ٢٩] وَنَحْوِهِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ تَأْوِيلَ أَدِلَّةِ الْمُصَنِّفِ لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ ظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: ٢٩] لَيْسَ أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ وَضُعِّفَ هَذَا الْجَوَابُ بِأَنَّ تَأْوِيلَ أَدِلَّةِ الْمُصَنِّفِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْخِطَابِ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ أَنْ يَكُونَ عَامًّا لَا يَخْتَصُّ بِهِ بَعْضٌ دُونَ بَعْضٍ، ثُمَّ إنَّ كَوْنَ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ الْفِعْلُ الْكُلُّ أَوْ الْبَعْضُ لَا يَقْتَضِي أَنَّ الْفَاعِلَ مَنْظُورٌ إلَيْهِ بِالذَّاتِ لَا بِالتَّبَعِ مِنْ حَيْثُ تَوَقُّفُ الْفِعْلِ عَلَيْهِ، وَإِنْ زَعَمَهُ النَّاصِرُ.

(قَوْلُهُ: أَهْلٌ لِذَلِكَ) أَيْ لَأَنْ يَتَقَوَّى بِهِ قَوْلُ الْجُمْهُورِ.

(قَوْلُهُ: الْبَعْضُ مُبْهَمٌ) مُبْتَدَأٌ أَوْ خَبَرٌ وَالْجُمْلَةُ خَبَرٌ قَوْلُهُ: الْمُخْتَارُ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى رَابِطٍ؛ لِأَنَّهَا عَيْنُ الْمُبْتَدَأِ فِي الْمَعْنَى وَالْقَوْلُ بِأَنَّ بَعْضَ مُبْهَمٍ هُوَ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ جَمِيعِ الْأَبْعَاضِ كَمَا هُوَ فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ، فَاسْتِدْلَالُ الْقَرَافِيِّ بِآيَةِ {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ} [آل عمران: ١٠٤] عَلَى الْوُجُوبِ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ فِعْلُ إحْدَى الطَّوَائِفِ وَمَفْهُومُ أَحَدِهَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهَا لَا يُعَكِّرُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْبَعْضِ بَلْ يُؤَيِّدُهُ.

(قَوْلُهُ: فَمَنْ قَامَ بِهِ) فِيهِ أَنَّ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْأَقْوَالِ فَالْأَوْلَى أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>