وَقِيلَ: لَا يَجِبُ بِوُجُوبِ الْوَاجِبِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الدَّالَّ عَلَى الْوَاجِبِ سَاكِتٌ عَنْهُ (وَثَالِثُهَا) أَيْ الْأَقْوَالِ يَجِبُ (إنْ كَانَ سَبَبًا كَالنَّارِ لِلْإِحْرَاقِ) أَيْ كَإِمْسَاسِ النَّارِ لِمَحَلٍّ فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِإِحْرَاقِهِ عَادَةً بِخِلَافِ الشَّرْطِ كَالْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ فَلَا يَجِبُ بِوُجُوبِ مَشْرُوطِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ السَّبَبَ لِاسْتِنَادِ الْمُسَبَّبِ إلَيْهِ أَشَدُّ ارْتِبَاطًا بِهِ مِنْ الشَّرْطِ بِالْمَشْرُوطِ.
(وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ) يَجِبُ (إنْ كَانَا شَرْطًا شَرْعِيًّا) كَالْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ (لَا عَقْلِيًّا) كَتَرْكِ ضِدِّ الْوَاجِبِ
ــ
[حاشية العطار]
آخَرَ غَيْرَ دَلِيلِ الْوَاجِبِ، فَلَا يَثْبُتُ لَهُ الْجَوَازُ الْمُسْتَلْزِمُ لِجَوَازِ تَرْكِ الْوَاجِبِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُطْلَقُ أَيْ الْوُجُوبُ بِوَجْهٍ مَا فَاللَّازِمُ حِينَئِذٍ مِنْ الدَّلِيلِ وُجُوبُ الْفِعْلِ الْمَقْدُورِ بِوَجْهٍ مَا وَهُوَ غَيْرُ مَحَلِّ النِّزَاعِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ الْوُجُوبُ بِوُجُوبِ الْوَاجِبِ كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُ الشَّارِحِ بِوُجُوبِ الْوَاجِبِ، وَمُحَصِّلُ مَا أَجَابَ بِهِ سم أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَخْتَارَ الشِّقَّ الْأَوَّلَ وَبِوَجْهِ لُزُومِ التَّالِي بِأَنَّ الْمُرَادَ جَوَازُ تَرْكِ الْوَاجِبِ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْإِيجَابِ فَلَا يَكُونُ هَذَا الْإِيجَابُ إيجَابًا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ إيجَابِ الشَّيْءِ لَيْسَ إيجَابًا لِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ عَدَمُ كَوْنِ ذَلِكَ الْإِيجَابِ لِذَلِكَ الشَّيْءِ إيجَابًا لِذَلِكَ الشَّيْءِ لَا يَتِمُّ بِدُونِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ إيجَابُهُ إيجَابًا لَهُ لَمْ يَثْبُتْ إيجَابُهُ.
وَأَمَّا إيجَابُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ بِطَرِيقٍ آخَرَ فَلَا يُقَيَّدُ فِي كَوْنِ هَذَا الْإِيجَابِ الْمُسْتَقِلِّ لِذَلِكَ الشَّيْءِ إيجَابًا لِذَلِكَ الشَّيْءِ. اهـ.
وَقَوْلُ بَعْضِ الْحَوَاشِي: إنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْوَاجِبِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُوبِ شَرْطِهِ مَنْظُورٌ فِيهِ بِأَنَّ الْكَلَامَ كَمَا عَلِمْت فِي وُجُوبِهِ مِنْ الْأَمْرِ الْمَخْصُوصِ لَا فِي وُجُوبِهِ مُطْلَقًا تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ: لَا يَجِبُ) أَيْ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِدَلِيلٍ آخَرَ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَبَبًا كَانَ أَوْ شَرْطًا قَالَ النَّاصِرُ: هَذَا الْقَوْلُ، وَإِنْ دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِح يَنْفِيهِ صَرِيحُ كَلَامِ التَّفْتَازَانِيِّ قَالَ لَا خِلَافَ فِي إيجَابِ السَّبَبِ كَالْأَمْرِ بِالْقَتْلِ أَمْرٌ بِضَرْبِ السَّيْفِ مَثَلًا وَالْأَمْرُ بِالْإِشْبَاعِ أَمْرٌ بِالْإِطْعَامِ إنَّمَا الْخِلَافُ فِي غَيْرِهِ اهـ.
وَأَجَابَ سم بَعْدَ تَشْنِيعِهِ عَلَى شَيْخِهِ بِمَا لَا يَلِيقُ بِشَأْنِهِمَا بِمَا حَصَّلَهُ أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ الْكَبِيرِ قَالَ مَسْأَلَةُ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ إذَا كَانَ مَقْدُورًا لِلْمُكَلَّفِ غَيْرُ لَازِمٍ عَقْلًا كَتَرْكِ أَضْدَادِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَلَا عَادَةَ كَجُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ وَحَاصِلُهُ مَا جَعَلَهُ الشَّارِعُ شَرْطًا مِنْ مُمْكِنَاتِ الْمُكَلَّفِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَقِيلَ وَالسَّبَبُ فَقَدْ صَرَّحَ فِي السَّبَبِ وَرَجَّحَ عَدَمَ الْوُجُوبِ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ وَالسَّبَبُ وَالشَّارِحُ نَفْسُهُ صَرَّحَ بِهِ عَنْهُ بِقَوْلِهِ الْآتِي فَلَا يَجِبْ أَيْ السَّبَبُ إلَخْ. اهـ.
وَأَقُولُ: هَذَا لَا يَدْفَعُ كَلَامَ التَّفْتَازَانِيِّ، فَإِنَّ مُرَادَهُ الْخِلَافُ الْقَوِيُّ، وَلَمَّا كَانَ الْخِلَافُ فِي السَّبَبِ وَاهِيًا نَزَلَ مَنْزِلَةَ الْعَدَمِ.
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الدَّالَّ عَلَى الْوَاجِبِ سَاكِتٌ عَنْهُ) ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ مَعُونَةٍ أُخْرَى.
(قَوْلُهُ: وَثَالِثُهَا إلَخْ) يَعْلَمُ كَوْنَ هَذَا ثَالِثًا مِنْ قَوْلِهِ وِفَاقًا لِلْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّ مُقَابِلَ الْأَكْثَرِ وَهُمْ الْأَقَلُّ يَقُولُونَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ فَهَذَانِ قَوْلَانِ ثَالِثُهُمَا مَا ذَكَرَهُ وَتَحْتَهُ قَوْلَانِ قَوْلُ الْإِمَامِ وَقَوْلُ غَيْرِهِ وَقَوْلُ الشَّارِحِ: يَجِبُ أَخْذُهُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَاجِبٌ.
(قَوْلُهُ: أَيْ كَإِمْسَاسٍ) قَدَرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لَيْسَ ذَاتَ النَّارِ وَإِنَّمَا هُوَ الْفِعْلُ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْدُورُ لِلْمُكَلَّفِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ التَّكْلِيفُ (قَوْلُهُ: كَالْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ) أَيْ فِيمَا إذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْوُضُوءَ شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ وَرَدَ الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ مُطْلَقًا.
(قَوْلُهُ: بِوُجُوبِ مَشْرُوطِهِ) أَيْ وَإِنَّمَا وُجُوبُهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ.
(قَوْلُهُ: أَشَدُّ ارْتِبَاطًا) ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودُ الْمُسَبِّبِ وَلَا كَذَلِكَ الشَّرْطُ مَعَ الْمَشْرُوطِ، فَصَارَ بِذَلِكَ اسْتِعْمَالُ الصِّيغَةِ فِي الْمُسَبِّبِ كَأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لَهَا فِي السَّبَبِ.
(قَوْلُهُ: وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلَخْ) عِبَارَتُهُ فِي الْبُرْهَانِ هَكَذَا مَسْأَلَةُ الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ يَتَضَمَّنُ اقْتِضَاءَ مَا يُفْتَقَرُ الْمَأْمُورُ بِهِ إلَيْهِ فِي وُقُوعِهِ فَإِذَا ثَبَتَ فِي الشَّرْعِ افْتِقَارُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ إلَى الطَّهَارَةِ فَالْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ الصَّحِيحَةِ يَتَضَمَّنُ أَمْرًا بِالطَّهَارَةِ لَا مَحَالَةَ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي جَمِيعِ الشَّرَائِطِ وَظُهُورِ ذَلِكَ مُغْنٍ عَنْ تَكَلُّفِ دَلِيلٍ فِيهِ، فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْ الْمُخَاطَبِ إيقَاعٌ وَالْإِمْكَانُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي قَاعِدَةِ التَّكْلِيفِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إيقَاعِ الْمَشْرُوطِ دُونَ الشَّرْطِ، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: لَا يَجِبُ عَلَى سُكَّانِ الْبَوَادِي أَنْ يَسْعَوْا فِي ابْتِنَاءِ مَدِينَةٍ لِيُقِيمُوا الْجُمُعَةَ فِيهَا قُلْنَا هَذَا الْآنَ مِنْ فَنِّ الْخَرْقِ، فَإِنَّ الْمُتَبَدِّينَ غَيْرُ مَأْمُورِينَ بِالْجُمُعَةِ وَلَوْ أُمِرُوا بِهَا مَعَ كَوْنِ الْجُمُعَةِ مَشْرُوطَةً بِالْبُنْيَانِ لَوَجَبَ أَنْ يَسْعَوْا فِي تَحْصِيلِهِ.
(قَوْلُهُ: كَتَرْكِ ضِدِّ الْوَاجِبِ) ، فَإِنَّهُ شَرْطٌ عَقْلِيٌّ لِذَلِكَ الْوَاجِبِ وَذَلِكَ كَتَرْكِ الْعُقُودِ فِي الصَّلَاةِ الَّذِي هُوَ ضِدٌّ لِلْقِيَامِ لَهَا لِلْقَادِرِ