للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَلَوْ تَعَذَّرَ تَرْكُ الْمُحَرَّمِ إلَّا بِتَرْكِ غَيْرِهِ) مِنْ الْجَائِزِ كَمَاءٍ قَلِيلٍ وَقَعَ فِيهِ بَوْلٌ (وَجَبَ) تَرْكُ ذَلِكَ الْغَيْرِ لِتَوَقُّفِ تَرْكِ الْمُحَرَّمِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ (أَوْ اخْتَلَطَتْ) أَيْ اشْتَبَهَتْ (مَنْكُوحَةٌ) لِرَجُلٍ (بِأَجْنَبِيَّةٍ) مِنْهُ (حُرِّمَتَا) أَيْ حُرِّمَ قُرْبَانُهُمَا عَلَيْهِ (أَوْ طَلَّقَ مُعَيَّنَةً) مِنْ زَوْجَته مَثَلًا (ثُمَّ نَسِيَهَا) حُرِّمَ عَلَيْهِ قُرْبَانُهُمَا أَيْضًا أَمَّا الْأَجْنَبِيَّةُ وَالْمُطَلَّقَةُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْمَنْكُوحَةُ وَغَيْرُ الْمُطَلَّقَةِ فَلِاشْتِبَاهِهِمَا بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَالْمُطَلَّقَةِ.

وَقَدْ يَظْهَرُ الْحَالُ فَيَرْجِعَانِ إلَى مَا كَانَتَا عَلَيْهِ مِنْ الْحِلِّ فَلَمْ يَتَعَذَّرْ فِي ذَلِكَ تَرْكُ الْمُحْرِمِ وَحْدَهُ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ مَا ذَكَرَ قَبْلَهُ، وَتَرَكَ جَوَابَ

ــ

[حاشية العطار]

إلَى مَكَّةَ بَعْدَ تَعَلُّقِ وُجُوبِ الْحَجِّ بِالسَّائِرِ لَا فِيمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُوبُ ذَلِكَ كَمِلْكِ النِّصَابِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ

(قَوْلُهُ: فَلَوْ تَعَذَّرَ إلَخْ) أَتَى بِالْفَاءِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ هَذِهِ الْفُرُوعَ الثَّلَاثَةَ مُتَفَرِّعَةٌ عَنْ الْأَصْلِ السَّابِقِ وَهُوَ الْمَقْدُورُ الَّذِي لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَخْ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُكَلَّفَ لَا يَعْلَمُ فِي كُلٍّ مِنْهَا وُجُودَ الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ تَرْكُ الْمُحَرَّمِ إلَّا بِتَرْكِ شَيْءٍ آخَرَ يَتَوَقَّفُ الْعِلْمُ بِوُجُودِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، قَالَ الْكَمَالُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُتَوَقِّفَ فِي الْحَقِيقَةِ فِي الْأَخِيرَيْنِ مِنْهَا تَعَيُّنُ التَّرْكِ وَهُوَ الْعِلْمُ بِوُجُودِ الْوَاجِبِ لَا نَفْسِ وُجُودِ الْوَاجِبِ، فَلَوْ فَسَّرَ الشَّارِحُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ لَا يَتِمُّ بِمَا يَتَنَاوَلُ الْعِلْمَ بِوُجُودِ الْوَاجِبِ فَقَالَ الْفِعْلُ الْمَقْدُورُ لِلْمُكَلَّفِ الَّذِي لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ الْمُطْلَقُ إلَّا بِهِ بِأَنْ يَتَوَقَّفَ عَلَيْهِ وُجُودُ الْوَاجِبِ أَوْ الْعِلْمِ بِوُجُودِهِ لِظُهُورِ وَجْهِ التَّفْرِيعِ اهـ.

قَالَ سم وَسَلَكَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ هَذَا الْمَسْلَكَ فَقَالَ: الْمُقَدِّمَةُ قِسْمَانِ:

أَحَدُهُمَا: مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهِ نَفْسُ وُجُودِ الْوَاجِبِ.

وَالثَّانِي: مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْعِلْمُ بِوُجُودِهِ وَذَلِكَ بِأَنْ لَا يُمْكِنُ الْكَفُّ عَنْ الْمُحَرَّمِ إلَّا بِالْكَفِّ عَمَّا لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ كَمَا إذَا خَلَطَتْ نَجَاسَةٌ إلَخْ.

وَأَقُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ إعْرَاضَ الشَّارِحِ عَنْ ذَلِكَ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لَا يُصَدَّقُ فِي كُلٍّ مِنْ الْفَرْعَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ مَا دَامَ الِاشْتِبَاهُ كَمَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ تَوَقَّفَ الْإِتْيَانُ بِالْوَاجِبِ أَيْ عَلَى وَجْهٍ مُبَرِّئٍ شَرْعًا فَتَأَمَّلْهُ اهـ.

(قَوْلُهُ: كَمَاءٍ قَلِيلٍ وَقَعَ فِيهِ بَوْلٌ) تَبِعَ الشَّارِحُ كَالزَّرْكَشِيِّ فِي التَّمْثِيلِ بِذَلِكَ الْمَحْصُولِ، وَقَدْ نَاقَشَ ابْنُ هَارُونَ فِي التَّمْثِيلِ بِهِ فَقَالَ: إنَّهُ لَا يَلِيقُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ قَالَ: بَلْ هُوَ أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَلْيَقُ بِأُصُولِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي قَوَاعِدِ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْمَاءَ جَوْهَرٌ طَاهِرٌ وَالطَّاهِرُ إذَا أُلْقِيَتْ النَّجَاسَةُ فِيهِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَصِيرَ بِذَلِكَ نَجِسًا فِي عَيْنِهِ؛ لِأَنَّ قَلْبَ الْأَعْيَانِ لَيْسَ فِي وُسْعِ الْعِبَادِ بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى أَصْلِ الطَّهَارَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْ اسْتِعْمَالِ النَّجَاسَةِ، وَاسْتِعْمَالُ الْمَاءِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ اسْتِعْمَالِ شَيْءٍ مِنْهَا لِامْتِزَاجِ أَجْزَائِهَا امْتِزَاجًا تَقَاصَرَتْ مَعَهُ الْقُوَى عَنْ التَّمْيِيزِ بَيْنَهُمَا فَوَجَبَ اجْتِنَابُهُ لِذَلِكَ.

وَقَدْ حَكَى ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي الْقَوَاطِعِ خِلَافًا فِي أَنَّ الْمَاءَ هَلْ يَصِيرُ كُلُّهُ نَجِسًا أَوْ أَنَّهُ إنَّمَا حُرِّمَ الْكُلُّ لِتَعَذُّرِ الْإِقْدَامِ عَلَى تَنَاوُلِ الْمُبَاحِ لِاخْتِلَاطِ الْمُحَرَّمِ بِهِ قَالَ: وَالْأَوَّلُ هُوَ اللَّائِقُ بِمَذْهَبِنَا وَالثَّانِي هُوَ اللَّائِقُ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ.

وَمِمَّا يَظْهَرُ بِهِ كَوْنُ الثَّانِي غَيْرَ لَائِقٍ بِمَذْهَبِنَا أَنَّ عِلَّتَهُ مَوْجُودَةٌ فِيمَا إذَا وَقَعَ بَوْلٌ فِي مَاءٍ هُوَ قُلَّتَانِ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ مَعَ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْهُ وَهُوَ وُجُوبُ الِاجْتِنَابِ إذْ يَجُوزُ عِنْدَنَا اسْتِعْمَالُ الْمُخْتَلَطِ كُلِّهِ بَلْ يَجِبُ عَلَى التَّعْيِينِ إذْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، وَأَيْضًا فَالْحُكْمُ مَوْجُودٌ بِدُونِ الْعِلَّةِ فِيمَا إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ نَجَاسَةٌ جَامِدَةٌ، كَذَا فِي الْكَمَالِ وَالْمِثَالُ الْمُطَابِقُ لِمَذْهَبِنَا امْتِزَاجُ طَعَامِ إنْسَانٍ أَوْ مَائِهِ بِطَعَامِ الْغَيْرِ أَوْ مَائِهِ فِي كَوْنِ صَيْرُورَةِ الْمَاءِ نَجِسًا بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ قَلْبًا لِلْأَعْيَانِ نَظَرٌ يُدْرِكُهُ مَنْ مَارَسَ عِلْمَ الْكَلَامِ وَالْحِكْمَةِ وَلَيْسَ مَا هُنَا مَحَلُّهُ.

(قَوْلُهُ: لِتَوَقُّفِ تَرْكِ الْمُحَرَّمِ) أَيْ لِتَوَقُّفِ وُجُودِ تَرْكِ الْمُحَرَّمِ لَا وُجُوبِ تَرْكِهِ، إذْ وُجُودُ تَرْكِ الْمُحَرَّمِ غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى شَيْءٍ.

(قَوْلُهُ:) أَيْ اشْتَبَهَتْ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الِاخْتِلَاطَ لَيْسَ بِمَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ؛ لِأَنَّهُ تَدَاخُلُ الْأَشْيَاءِ فِي بَعْضِهَا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ فَهُوَ مَجَازٌ مُرْسَلٌ عَلَاقَتُهُ السَّبِيبَةُ.

(قَوْلُهُ: مَثَلًا) رَاجِعٌ لِطَلَّقَ فَغَيْرُ الطَّلَاقِ كَالْعِتْقِ كَذَلِكَ أَوْ لِلزَّوْجَيْنِ فَغَيْرُهُمَا مِمَّا زَادَ عَلَيْهِمَا كَذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: وَقَدْ يَظْهَرُ الْمُحَالُ) دَفَعَ بِهِ مَا يُقَالُ كَأَنَّ الْمُنَاسِبَ حَذْفُ أَوْ اخْتَلَطَتْ إلَخْ لِيَتَنَاوَلَ مَا قَبْلَهُ أَوْ إبْدَالٌ أَوْ بَكَانِ لِيَكُونَ مَدْخُولُهَا أَمْثِلَةً لِمَا قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ، وَحَاصِلُ الدَّفْعِ إنَّمَا أَفْرَدَ هَذَا؛ لِأَنَّ التَّعَذُّرَ فِيهِ حَالٌّ، وَقَدْ يَزُولُ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَزُولُ وَبَحَثَ النَّاصِرُ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَزُولُ لَمْ يَصِحَّ جَعْلُهُ مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ، وَأَجَابَ سم بِأَنَّهُ مَا دَامَ لَمْ يَزُلْ مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: فَلَمْ يَتَعَذَّرْ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ صُورَتَيْ الْمَنْكُوحَةِ وَنِسْيَانِ الْمُطَلَّقَةِ تَرْكِ الْمُحَرَّمِ وَحْدَهُ وَذَلِكَ إذَا ظَهَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>