للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي دَفْعِهِ السَّبَبَ أَوْلَى بِالْوُجُوبِ مِنْ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ مَمْنُوعٌ يُؤَيِّدُ الْمَنْعَ أَنَّ السَّبَبَ يَنْقَسِمُ كَالشَّرْطِ إلَى شَرْعِيٍّ كَصِيغَةِ الْإِعْتَاقِ لَهُ وَعَقْلِيٍّ كَالنَّظَرِ لِلْعِلْمِ عِنْدَ الْإِمَامِ الرَّازِيّ وَغَيْرِهِ وَعَادِيٍّ كَحَزِّ الرَّقَبَةِ لِلْقَتْلِ، نَعَمْ قَالَ بَعْضُهُمْ: الْقَصْدُ بِطَلَبِ الْمُسَبِّبَاتِ الْأَسْبَابُ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي فِي وُسْعِ الْمُكَلَّفِ وَاحْتَرَزُوا بِالْمُطْلَقِ عَنْ الْمُقَيَّدِ وُجُوبُهُ بِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ كَالزَّكَاةِ وُجُوبُهَا مُتَوَقِّفٌ عَلَى مِلْكِ النِّصَابِ فَلَا يَجِبُ تَحْصِيلُهُ وَبِالْمَقْدُورِ عَنْ غَيْرِهِ، قَالَ الْآمِدِيُّ: كَحُضُورِ الْعَدَدِ فِي الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ لِآحَادِ الْمُكَلَّفِينَ أَيْ وَيَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ الْجُمُعَةِ كَمَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُهَا عَلَى وُجُودِ الْعَدَدِ.

ــ

[حاشية العطار]

أَنَّ الرَّبْطَ بَيْنَ السَّبَبِ وَالْمُسَبِّبِ الشَّرْعِيَّيْنِ مِنْ طَرَفِ الْعَدَمِ فَقَطْ اهـ. مُلَخَّصًا مِنْ الْكَمَالِ.

(قَوْلُهُ: وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ) أَيْ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ.

(قَوْلُهُ: أَوْلَى بِالْوُجُوبِ) عِلَّةُ الْأَوْلَوِيَّةِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ السَّبَبَ أَشَدُّ ارْتِبَاطًا.

(قَوْلُهُ: مَمْنُوعٌ) وَذَلِكَ لِأَنَّ قُوَّةَ الِارْتِبَاطِ عِنْدَهُ مُقْتَضِيَةٌ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ لَا لِلْوُجُوبِ.

(قَوْلُهُ: يُؤَيِّدُ الْمَنْعَ) يُمْكِنُ إرْجَاعُ الْمَنْعِ لِلنَّقْضِ التَّفْصِيلِيِّ أَوْ الْإِجْمَالِيِّ فَالْمُؤَيِّدُ كَذَا وَشَاهِدٌ.

(قَوْلُهُ: أَنَّ السَّبَبَ إلَخْ) أَيْ فَلَا يَصِحُّ الْإِطْلَاقُ بَلْ يُفَصَّلُ فِيهِ كَالشَّرْطِ.

(قَوْلُهُ: كَصِيغَةِ الْإِعْتَاقِ لَهُ) أَيْ لِحُصُولِ الْعِتْقِ.

(قَوْلُهُ: كَحَزِّ الرَّقَبَةِ) أَيْ كَمَا إذَا قَالَ الشَّارِعُ اُقْتُلْ هَذَا قِصَاصًا مَثَلًا كَانَ مَعْنَاهُ حُزَّ رَقَبَتَهُ، فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي فِي وُسْعِ الْمُكَلَّفِ إذْ قَدْ يَحُزُّ الرَّقَبَةَ وَلَا يَمُوتُ.

(قَوْلُهُ: نَعَمْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الْمَنْعِ أَفَادَ بِهِ أَنَّ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَجْهًا بِاعْتِبَارِ مَا قَالَهُ الْبَعْضُ وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الِاسْتِدْرَاكُ عَلَى قَوْلِهِ سَابِقًا فَلَا يَقْصِدُهُ الشَّارِعُ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: بَعْضُهُمْ) هُوَ الْعَلَّامَةُ التَّفْتَازَانِيُّ، فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الْعَضُدِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ عِبَارَتُهُ بِنَقْلِ النَّاصِرِ.

(قَوْلُهُ: الْقَصْدُ بِطَلَبِ الْمُسَبِّبَاتِ إلَخْ) وَأَوْرَدَ الشِّهَابُ عَمِيرَةُ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ يَقْتَضِي إخْرَاجَ الْأَسْبَابِ عَنْ كَوْنِهَا وَسِيلَةً فَلَا تَكُونُ مِنْ مُقَدِّمَةِ الْوَاجِبِ بَلْ هِيَ الْوَاجِبُ عَبَّرَ عَنْهَا بِالْمُسَبِّبَاتِ.

وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْمُرَادَ الْبَعْضُ أَنَّ الْأَسْبَابَ هِيَ الْمَقْصُودَةُ بِالْمُبَاشَرَةِ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي يُمْكِنُ مُبَاشَرَتُهَا، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالذَّاتِ حُصُولُ مُسَبَّبَاتِهَا.

(قَوْلُهُ: وَاحْتَرَزُوا) لَمْ يَقُلْ: وَاحْتَزِزْ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ لِغَيْرِهِ أَيْضًا.

(قَوْلُهُ: عَنْ الْمُفِيدَةِ وُجُوبُهُ) فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَاجِبِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ أَنَّ الْمُطْلَقَ وَاجِبٌ فِي حَدِّ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُهُ عَلَى الْمَقْدُورِ الْمَذْكُورِ بَلْ يَتَوَقَّفُ فِعْلُهُ عَلَيْهِ، وَالْمُقَيَّدُ يَتَوَقَّفُ نَفْسُ وُجُوبِهِ عَلَى الْمَقْدُورِ فَالْجُمُعَةُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحُضُورِ بَعْدَ تَمَامِ الْعَدَدِ وَاجِبٌ مُطْلَقٌ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى وُجُودِ الْعَدَدِ وَاجِبٌ مُقَيَّدٌ فَلَا يَجِبُ تَحْصِيلُ الْعَدَدِ لِتَجِبَ الْجُمُعَةُ وَقِيسَ عَلَى ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: بِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ) أَيْ مَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُهُ عَلَيْهِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ تَمْثِيلُهُ بِقَوْلِهِ كَالزَّكَاةِ إلَخْ فَضَمِيرُ يَتَوَقَّفُ عَائِدٌ عَلَى وُجُوبِهِ لَا عَلَى الْمُقَيَّدِ أَوْ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ.

(قَوْلُهُ: كَالزَّكَاةِ) أَيْ وَكَالْحَجِّ وُجُوبُهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الِاسْتِطَاعَةِ فَلَا يَجِبُ تَحْصِيلُهَا.

(قَوْلُهُ: كَحُضُورِ الْعَدَدِ فِي الْجُمُعَةِ) أَيْ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي تُقَامُ بِهِ مِنْ مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ لِلْمُكَلَّفِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَى حُضُورِ نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ.

(قَوْلُهُ: وَيَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ الْجُمُعَةِ) فَلَا تَنْعَقِدُ بِدُونِهِ.

(قَوْلُهُ: كَمَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُهَا عَلَى وُجُودِ الْعَدَدِ) وَهُوَ الْأَرْبَعُونَ بِصِفَاتِهِمْ الْمُعْتَبَرَةِ بِالْمِصْرِ أَوْ الْقُرْبَةَ تُقَامُ بِهَا، وَهَذَا وُجُوبٌ مُقَيَّدٌ فَنَظَرَ الْأَوَّلُ بِالثَّانِي؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِيهِ مُقَيَّدٌ وَلِذَلِكَ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا نَظِيرٌ لِلْمُحْتَرَزِ عَنْهُ لَا أَنَّهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ الْوَاجِبِ كَالسَّيْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>